هذه حاجته من أجل التفاهم
مع غيره. وللمنطقي حاجة أخرى (*) إلى مباحث الألفاظ من أجل نفسه ، هي أعظم
وأشد من حاجته الأولى ، بل لعلها هي السبب الحقيقي لإدخال هذه الأبحاث في المنطق.
ونستعين على توضيح مقصودنا بذكر تمهيد نافع ، ثم نذكر
وجه حاجة الإنسان في نفسه إلى معرفة مباحث الألفاظ نتيجة للتمهيد ، فنقول.
(التمهيد)
:
أن الأشياء أربعة وجودات [١] : [٢] وجودان حقيقيان [٣] ووجودان
(*) هذا البحث الى آخره ليس من منهاج
دراستنا. ولكنا وضعناه للطلاب الذين يرغبون في التوسع ، حرصا على فائدتهم. هو بحث
له قيمته العلمية ، لا سيما في مباحث أصول الفقه.
[١] أي لجميع الأشياء ـ على ما هو مقتضى الجمع
المحلى باللام ـ فلا ينافي وجود نوع آخر أو أنواع أخر من الوجود لبعض الأشياء كالصورة
الفتوغرافية أو التمثال للأجسام ، وكذا الوجود المثالي للماديات والوجود العقلي للماديات
والمثاليات.
[٤] كون الوجود الخارجي وجودا حقيقيا للشئ
واضح. وأما الوجود الذهني : فهو وجود حقيقي بالنظر إلى أن الوجود الذهني هي ماهية الشئ
تحضر بعينها لدى الذهن ، قال الحكيم السبزواري :
للشئ غير الكون في
الأعيان
كون بنفسه لدى الأذهان
فالوجود الذهني لما كان هو وجود نفس الشئ ، صح أن يقال
: إنه وجود حقيقي للشئ.
هذا ، ولكن فيه : أن الموجود في الذهن مغاير للموجود
الخارجي وجودا وماهية ، أما وجودا فواضح. وأما ماهية ، فلأن ما في الخارج هي حقيقة
الماهية ، وباقي الذهن ليس إلا مفهومها. وبعبارة أخرى : الموجود في الذهن هي الماهية
بالحمل الأولي ، وما في الخارج هي الماهية بالحمل الشائع. فالحق أن يقال : إن للأشياء
أربعة وجودات : أحدها وجود حقيقي لها ، والباقي وجودات مجازية لها حاكية عنها. نعم
، تفترق هذه الثلاثة في حكايتها ، فالوجود الذهني يحكي الوجود الخارجي بذاته من دون
جعل جاعل واعتبار معتبر ، وأما الآخران فهما إنما يحكيانه بالوضع والاعتبار.
فالوجود الذهني وجود الصورة الذهنية حقيقة ـ كما أن
الوجود اللفظي والكتبي