نام کتاب : شرح نهج البلاغة نویسنده : ابن ابي الحديد جلد : 0 صفحه : 4
تحدّر من أكرم المناسب، و انتمى إلى أطيب الأعراق؛ فأبوه أبو طالب عظيم المشيخة من قريش. و جدّه عبد المطلب أمير مكّة و سيّد البطحاء؛ ثم هو قبل ذلك من هامات بنى هاشم و أعيانهم؛ و بنو هاشم كانوا كما وصفهم الجاحظ: «ملح الأرض، و زينة الدنيا، و حلى العالم، و السّنام الأضخم، و الكاهل الأعظم؛ و لباب كلّ جوهر كريم، و سرّ كلّ عنصر شريف، و الطينة البيضاء، و المغرس المبارك، و النّصاب الوثيق، و معدن الفهم، و ينبوع العلم... » [1] .
و اختصّ بقرابته القريبة من الرّسول عليه السلام؛ فكان ابن عمّه، و زوج ابنته، و أحبّ عترته إليه، كما كان كاتب وحيه، و أقرب الناس إلى فصاحته و بلاغته، و أحفظهم لقوله و جوامع كلمه؛ أسلم على يديه صبيّا قبل أن يمسّ قلبه عقيدة سابقة، أو يخالط عقله شوب من شرك موروث؛ و لازمه فتيا يافعا؛ فى غدوّه و رواحه، و سلمه و حربه؛ حتى تخلّق بأخلاقه، و اتّسم بصفاته، وفقه عنه الدين، و ثقف ما نزل به الرّوح الأمين؛ فكان من أفقه أصحابه و أقضاهم، و أحفظهم و أوعاهم؛ و أدقهم في الفتيا؛ و أقربهم إلى الصّواب؛ و حتّى قال فيه عمر: لا بقيت لمعضلة ليس لها أبو الحسن. و كانت حياته كلّها مفعمة بالأحداث، مليئة بجلائل الأمور؛ فعلى عهد الرسول عليه السلام ناضل المشركين و اليهود؛ فكان فارس الحلبة و مسعر الميدان، صليب النّبع جميع الفؤاد؛ و في أيّام خلافته كانت له أحداث أخرى؛ لقى فيها ما لقى من تفرّق الكلمة و اختلاف الجماعة، و انفصام العروة؛ ما طوى أضالعه على الهمّ و الأسى، و لاع قلبه بالحزن و الشّجن؛ و في كل ما لقى من أحداث و أمور، و ما صادف من محن و خطوب، بلا الناس و خبرهم، و تفطّن لمطاوى نفوسهم، و استشفّ ما وراء مظاهرهم؛ فكان العالم المجرّب الحكيم، و الناقد الصيرفىّ الخبير.
و كان لطيف الحسّ، نقىّ الجوهر، و ضاء النّفس؛ سليم الذّوق، مستقيم الرأى،