نام کتاب : شرح نهج البلاغة نویسنده : ابن ابي الحديد جلد : 0 صفحه : 12
و هو بهذا المنهج الذي التزمه؛ و الطريق الذي سلكه، قد نقل إلى هذا الكتاب عصارة ما في كتب الأدب و النقد و التاريخ و النسب و المغازى و السير و الفقه و الجدل و المناظرة و علوم الكلام، و خلاصة ما اشتملت عليه الرسائل و المتون و الشروح و الحواشى و التعاليق؛ و طرّزه بما اختاره من روائع الخطب و نوابغ الحكم و مصطفى الرسائل؛ ممّا نطق به مصاقع الخطباء و بلغاء الكتاب و زعماء القول في الجاهلية و الإسلام؛ ثم وشّاه بما انتخله من دواوين الشعراء الجاهليين و المخضرمين و الإسلاميين و المولدين؛ من فاخر القول و حرّ الكلام؛ فى متنوّع فنون الشعر و مذاهبه، و مختلف أغراضه و مراميه.
و قد ارتفع أسلوبه في جميع مراحل الكتاب عن الخلل و التعقيد، و تجافى عن الركاكة و التعسف و الإبهام، و التزم الأسلوب الرّصين، و التعبير الفصيح، و اللفظ العربىّ الأصيل؛ سوى بعض الألفاظ التي تدسّت فيما نقله عن المتكلّمين و أصحاب المقولات؛ من نحو قولهم:
«المحسوسات» ، و «الكلّ و البعض» ، و قولهم: «الصفات الذاتية و الجسمانيات» ، و قولهم: «أما أوّلا فالحال كذا» ؛ و نحو ذلك ممّا يأباه الفصيح من الألفاظ و السليم من الأساليب؛ و قد اعتذر عن ذلك المؤلّف بقوله: «استهجنّا تبديل ألفاظهم و تغيير عباراتهم؛ فمن كلّم قوما كلمهم باصطلاحهم، و من دخل ظفار حمّر» [1] .
و ما أحسن ما اعتذر به!
و بتلك المزايا المتنوعة للكتاب، خرج «كتابا كاملا في فنّه، واحدا بين أبناء جنسه، ممتعا بمحاسنه، جليلة فوائده، شريفة مقاصده، عظيما شأنه، عالية منزلته و مكانه» [2] ؛ يرد شرعته العلماء، و ينهل من مورده الباحثون و الأدباء.