فهذا حال التدوين عند أصحاب أبي حنيفة و المسائل التي سار عليها طائفة كبيرة من المسلمين.
و بذلك اتّضح لك دور السلطة في انتشار مذهب أو التعميم على آخر، و أنّ مهنة القضاء و توجّه الحكّام إلى البعض من العلماء كان له الدور الأكبر في تعرّف الناس على ذلك المذهب أو الفقيه. و قد عرفت بأنّ ازدياد عدد أتباع هذا المذهب أو ذاك يرجع إلى العوامل الجانبيّة و السياسيّة لا المقوّمات الأساسيّة و قوّة دليل المذهب، بل لمسايرته الساسة جنبا إلى جنب.
و لأجل تولّي مهنة القضاء و التقرّب إلى السلطان و غيره ترى الكثير من العلماء يتحوّلون من مذهب إلى آخر طلبا لرفد السلطان.
فهذا الأمير يلبغا بن عبد اللّٰه الخاصكيّ الناصريّ كان يتعصّب لمذهب أبي حنيفة، و يعطي لمن تحوّل إليه العطاء الجزيل [2].
و قيل عن أبي البركات الحنفيّ: انّه تحوّل إلى المذهب الحنبليّ [3].
و أبي بكر البغداديّ: انّه تحوّل إلى الشافعيّ و ولي القضاء.
و كان أبو المظفّر يوسف بن فرغلي سبط ابن الجوزيّ حنبليّا، نقله الملك المعظّم إلى مذهب أبي حنيفة [4]، و غيرهم.
إذن، فمهنة القضاء كانت من المناصب التي يمكن اعتبارها إحدى أسباب التحوّل من مذهب إلى آخر.
مذهب الإمام مالك
بعد يأس المنصور من احتواء الإمام أبي حنيفة، توجّه إلى الإمام مالك