ثمّ انّ في الآية الشريفة نكتة لطيفة ينبغي التعرّض لها فنقول: انّه
يستظهر منها بدوا بحسب الفقاهة انّ السّر الوحيد و العلّة التامّة في منع المشركين
عن دخول المسجد هو كونهم نجسا فيصطاد و يستفاد منها- بمقتضى كون العلّة معمّمة-
عموم و هو عدم جواز قرب اىّ نجس من النجاسات من المسجد مطلقا و لكن الظاهر من جملة
(فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ)
بعد التأمّل فيها انّه حكم مختصّ بالمشركين و انّ نجاستهم ليست علّة حتّى يعمّ
الحكم جميع النجاسات بل هي حكمة لذلك.
و ذلك لانّ النهي فيها عن قربهم من مسجد الحرام لا عن دخولهم فيه مع
انّ مجرّد قرب النجاسة لا يوجب السراية و ليس هو سببا للنجاسة بل هي موقوفة على
المماسّة و الملاقاة و تأثّر الملاقي بها فهذا التعبير حاك عن كمال اهتمام الشارع
بعدم حصول اىّ صلة و ترابط بين المسلمين و الكفار و عزلهم عن اطار عيشهم و عشرتهم
و على هذا فلا عموم أصلا.
و بعبارة أخرى لمّا كان الناس يستبعدون عدم جواز قرب المشركين من
المسجد و يكبر عليهم هذا الحكم لا سيّما بلحاظ اناطة منافعهم بالتّبادل التجارىّ
معهم، و اختلافهم، و تردّدهم إلى مكّة المعظّمة، فلذا بيّن حكمة هذا الحكم اعنى
لزوم طرد الكفّار فقال: إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ. و هذه الحكمة تكشف عن عظمة تعاليم النّبي الكريم و سموّ دعوته، و
تقوّى روح المؤمن و تشجّعه و تجعله عزيزا شديدا على الكفّار، غير مكترث بهم في جنب
اللّه، لا يخاف في اللّه لومة لائم، و تعلو في ظلّها همتّه، فلا يودّهم و لا
يتولّاهم و لا