وإذا لزم الاعتقاد بالجنة والنار لا تلزم معرفة وجودهما الآن، ولا العلم بأنّهما في السماء أو الاَرض، أو يختلفان.
وكذا إذا وجبت معرفة الميزان لا تجب معرفة أنّها ميزان معنوية، أو لها كفّتان.
ولا تلزم معرفة أنّ الصراط جسم دقيق، أو هو الاستقامة المعنوية.
والغرض أنّه لا يشترط في تحقيق الاسلام معرفة أنّها من الاجسام...)[1].
نعم، إنّ تلك العقيدة في البعث والمعاد على بساطتها هي التي جاء بها الدين الاسلامي، فاذا أراد الانسان أن يتجاوزها إلى تفصيلها بأكثر ممّا جاء في القرآن ليقنع نفسه دفعاً للشبه ـ التي يثيرها الباحثون والمشككون بالتماس البرهان العقلي أو التجربة الحسية ـ فانّه إنّما يجني على نفسه، ويقع في مشكلات ومنازعات لا نهاية لها.
وليس في الدين ما يدعو إلى مثل هذه التفصيلات التي حشدت بها كتب المتكلِّمين والمتفلسفين، ولا ضرورة دينية ولا اجتماعية ولا سياسية تدعو إلى أمثال هاتيك المشاحنات والمقالات المشحونة بها الكتب عبثاً، والتي استنفدت كثيراً من جهود المجادلين وأوقاتهم وتفكيرهم بلا فائدة.
والشبه والشكوك التي تُثار حول تلك التفصيلات يكفي في ردّها قناعتنا بقصور الانسان عن إدراك هذه الاُمور الغائبة عنّا، والخارجة عن أفقنا ومحيط وجودنا، والمرتفعة فوق مستوانا الاَرضي، مع علمنا بأنّ الله تعالى العالم القادر أخبرنا عن تحقيق المعاد ووقوع البعث.
وعلوم الانسان وتجريباته وأبحاثه يستحيل أن تتناول شيئاً لا يعرفه ولا
[1] مقتبس من كتاب كشف الغطاء: 5 للشيخ الكبير كاشف الغطاء.