قال يا دهقان، أظنّك
حكمت على اقتران المشتري[1] و زحل[2] لما استنارا
لك في الغسق، و ظهر تلألؤ المرّيخ و تشريقه في السّحر، و قد سار فاتّصل جرمه
بنجوم[3] تربيع
القمر، و ذلك دليل على استخلاف[4] ألف ألف من
البشر، كلّهم يولدون اليوم و الليلة، و يموت مثلهم و يموت هذا فإنّه منهم[5]- و أشار إلى
جاسوس في عسكره لمعاوية- فلمّا قال ذلك ظنّ الرجل أنّه قال خذوه، فأخذه شيء في
قلبه و تكسّرت نفسه في صدره فمات لوقته.
فقال (عليه السلام)
للدّهقان: أ لم أرك عين التقدير[6] في غاية
التصوير؟ قال: بلى يا أمير المؤمنين.
فقال: يا دهقان، أنا
مخبرك أنّي و صحبي هؤلاء لا شرقيّون و لا غربيّون، إنّما نحن ناشئة القطب، و ما
زعمت البارحة أنّه انقدح من برج الميزان فقد كان يجب أن تحكم معه لي، لأنّ نوره و
ضياءه عندي، فلهبه ذاهب[7] عنّي.
يا دهقان: هذه قضية عيص[8]، فاحسبها و
ولدها إن كنت عالما بالأكوار و الأدوار، و لو علمت ذلك لعلمت أنّك تحصي عقود القصب
في هذه الأجمة.
و مضى أمير المؤمنين
(صلوات اللّه عليه)، فهزم أهل النّهروان و قتلهم فعاد بالغنيمة و الظّفر، فقال
الدّهقان: ليس هذا العلم بأيدي أهل زماننا، هذا علم مادّته من السماء[9].
[8] العيص: الأجمة، أي الشجر الكثير الملتفّ،
كأنّه كنّى بها عن تشابكها و صعوبتها، و العيص أيضا: الأصل، و قال في البحار: و في
بعض النسخ« عويصة» أي صعبة شديدة.