الْغُلَامُ بِمُمَاكَسَةِ الْبَيْعِ[1]، وَ أَنَا وَاقِفٌ أَتَرَقَّبُ، إِذْ جَذَبَ رِدَائِي جَاذِبٌ، فَحَوَّلْتُ وَجْهِي إِلَيْهِ، فَرَأَيْتُ رَجُلًا أُذْعِرْتُ حِينَ نَظَرْتُ إِلَيْهِ، هَيْبَةً لَهُ، فَقَالَ لِي: تَبِيعُ الْمِشْرَبَةَ؟ فَلَمْ أَسْتَطِعْ رَدَّ الْجَوَابِ، وَ غَابَ عَنْ عَيْنِي، فَلَمْ يَلْحَقْهُ بَصَرِي، فَظَنَنْتُهُ مَوْلَايَ.
فَإِنَّنِي يَوْماً مِنَ الْأَيَّامِ أُصَلِّي بِبَابِ الصَّفَا بِمَكَّةَ، فَسَجَدْتُ وَ جَعَلْتُ مِرْفَقِي فِي صَدْرِي، فَحَرَّكَنِي مُحَرِّكٌ بِرِجْلِهِ، فَرَفَعْتُ رَأْسِي، فَقَالَ لِي: افْتَحْ مَنْكِبَكَ عَنْ صَدْرِكَ.
فَفَتَحْتُ عَيْنِي، فَإِذَا الرَّجُلُ الَّذِي سَأَلَنِي عَنِ الْمِشْرَبَةِ، وَ لَحِقَنِي مِنْ هَيْبَتِهِ مَا حَارَ بَصَرِي، فَغَابَ عَنْ عَيْنِي.
وَ أَقَمْتُ عَلَى رَجَائِي وَ يَقِينِي، وَ مَضَتْ مُدَّةٌ وَ أَنَا أَحُجُّ، وَ أُدِيمُ الدُّعَاءَ فِي الْمَوْقِفِ.
فَإِنَّنِي فِي آخِرِ سَنَةٍ جَالِسٌ فِي ظَهْرِ الْكَعْبَةِ وَ مَعِي يَمَانُ بْنُ الْفَتْحِ بْنِ دِينَارٍ، وَ مُحَمَّدُ بْنُ الْقَاسِمِ الْعَلَوِيُّ، وَ عَلَّانٌ الْكُلَيْنِيُّ، وَ نَحْنُ نَتَحَدَّثُ إِذَا أَنَا بِرَجُلٍ فِي الطَّوَافِ، فَأَشَرْتُ بِالنَّظَرِ إِلَيْهِ، وَ قُمْتُ أَسْعَى لِأَتَّبِعَهُ، فَطَافَ حَتَّى إِذَا بَلَغَ إِلَى الْحِجْرِ رَأَى سَائِلًا وَاقِفاً عَلَى الْحِجْرِ، وَ يَسْتَحْلِفُ[2] وَ يَسْأَلُ النَّاسَ بِاللَّهِ (عَزَّ وَ جَلَّ) أَنْ يَتَصَدَّقَ عَلَيْهِ، فَإِذَا بِالرَّجُلِ قَدْ طَلَعَ، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَى السَّائِلِ انْكَبَّ إِلَى الْأَرْضِ وَ أَخَذَ مِنْهَا شَيْئاً، وَ دَفَعَهُ إِلَى السَّائِلِ، وَ جَازَ، فَعَدَلْتُ إِلَى السَّائِلِ فَسَأَلْتُهُ عَمَّا وَهَبَ لَهُ، فَأَبَى أَنْ يُعْلِمَنِي، فَوَهَبْتُ لَهُ دِينَاراً، وَ قُلْتُ:
أَرِنِي مَا فِي يَدِكَ. فَفَتَحَ يَدَهُ، فَقَدَرَّتْ أَنَّ فِيهَا عِشْرِينَ دِينَاراً، فَوَقَعَ فِي قَلْبِي الْيَقِينُ أَنَّهُ مَوْلَايَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ)، وَ رَجَعْتُ إِلَى مَجْلِسِي الَّذِي كُنْتُ فِيهِ، وَ عَيْنِي مَمْدُودَةٌ إِلَى الطَّوَافِ، حَتَّى إِذَا فَرَغَ مِنْ طَوَافِهِ عَدَلَ إِلَيْنَا، فَلَحِقَنَا لَهُ رَهْبَةٌ شَدِيدَةٌ، وَ حَارَتْ أَبْصَارُنَا جَمِيعاً، قُمْنَا إِلَيْهِ، فَجَلَسَ، فَقُلْنَا لَهُ: مِمَّنْ الرَّجُلُ؟
فَقَالَ: مِنَ الْعَرَبِ.
فَقُلْتُ: مِنْ أَيِّ الْعَرَبِ؟
فَقَالَ: مِنْ بَنِي هَاشِمٍ.
فَقُلْنَا: مِنْ أَيِّ بَنِي هَاشِمٍ؟
[1] المماكسة في البيع: استنقاص الثّمن حتّى يصلّ البائع و المشتري إلى ما يتراضيان عليه.
[2] في« ط»: و يستخلف.