تروي الحديث: فبكى- و اللّه- النجاشي حتّى اخضلّت لحيته، و
بكت أساقفته حتّى اخضلّت مصاحفهم حين سمعوا ما تلا عليهم، فقال النجاشي: إنّ هذا،
و الذي جاء به عيسى، ليخرج من مشكاة واحدة[1].
و لم تنحصر هذه الشواهد
بذلك العهد، بل هي مستمرّة متّصلة إلى يومنا هذا، و نحن نشهد كلّ حين إيمان
العلماء و الحكماء من أقطار الدنيا بهذا الدين الحنيف بمجرّد أن يقفوا عليه وقفة
الناظر المتدبّر المنصف.
6- نصّ النبيّ السابق:
و هذا الشاهد و إن لم
يتّضح لنا كونه ظاهرة ملازمة لكلّ النبوّات، غير أنّه عند ما يتوفّر يكون دليلا
قويا و حجّة قاطعة على نبوّة النبيّ اللاحق. و من هنا احتجّ القرآن الكريم لنبوّة
نبيّنا الأكرم (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم) ببشائر الأنبياء السابقين و نصوص
كتبهم عليه: الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ
الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَ الْإِنْجِيلِ[2]. و حكاية عن
عيسى (عليه السلام):
و كان هذا دليلا كافيا
لإسلام أسقف الروم الأعظم، و ذلك لمّا بعث رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و
سلّم) دحية الكلبي بكتابه إلى هرقل قيصر الروم، فاستمع هرقل إلى الكتاب، فقال
لدحية: إنّي لأعلم أنّ صاحبك نبيّ مرسل، و لكنّي أخاف الروم على نفسي، و لو لا ذلك
لاتبعته، فاذهب إلى (ضغاطر) الأسقف الأعظم في الروم، و اذكر له أمر صاحبك و انظر
ما ذا يقول.
فجاءه دحية و أخبره بما
جاء به من رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله و سلّم)، فقال له ضغاطر: و اللّه إنّ
صاحبك نبيّ مرسل نعرفه بصفته، و نجده في كتابنا، ثمّ أخذ عصاه و خرج على الروم و
هم في الكنيسة فقال: يا معشر الروم، قد جاءنا كتاب من أحمد يدعونا إلى اللّه، و
إنّي أشهد أن لا إله إلا اللّه، و أنّ محمّدا عبده و رسوله. قال: فوثبوا