الحمد للّه الذي يروى
وجود نظام حقائق الكون و نواميس الحياة المحكمة، وجوب وجوده وسعة علمه و قدرته
اللامتناهية، كما تروى آيات ذكره الحكيم نزرا من أنباء الغيب، و بعضا من أحاديث
معجزات أنبيائه و رسله الإلهيّة.
و أكمل صلواته على أمين
وحيه، و خاتم سفرائه، محمد رسول اللّه، و على آله المصطفين الذين أورثهم اللّه
كتاب وحيه، و جعلهم مجارى أمره، و مجالى آياته و معجزاته، فبعثوا الفقهاء امناء
على حفظ أحاديث معجزات رسول اللّه و الأئمّة الاثنى عشر من آله و روايتها.
و بعد: فمن الذين حفظوا
عنهم عليهم السلام مواريث النبوّة في صحائفهم و كتبهم شيخنا الاقدم مؤلف هذا
الكتاب «قطب الدين الراونديّ، قدّس سرّه».
فانه أودع في سفره القيم
هذا كتاب «الخرائج و الجرائح» لمعا من الأحاديث في معجزات النبيّ و الأئمّة عليهم
السلام و أعلامهم و دلائلهم (تسننا) بما قال جل و علا: «نَحْنُ نَقُصُّ
عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِما أَوْحَيْنا إِلَيْكَ هذَا الْقُرْآنَ وَ إِنْ
كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغافِلِينَ».
و ليكون هذا بصائر للناس،
و ليستيقن الذين اوتوا العلم بما يتفكرون في آياته، و ليؤمنوا بالغيب: «باللّه و
ملائكته و وحيه و كتبه و رسله و يوم لقائه»، و ليعلم الذين سعوا في آيات اللّه
معاجزين أنّه ما كانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّماواتِ
وَ لا فِي الْأَرْضِ.
مفهوم الاعجاز:
هنا لا بدّ من الإشارة
الى معنى الاعجاز، فهو مطلقا: اتيان شيء و ايجاد ما يعجز عنه غير فاعله، كما أشار
إليه تعالى في قوله: «إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ
يَخْلُقُوا ذُباباً وَ لَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ» و «قل لئن اجتمعت الجن
و الانس على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله و لو كان بعضهم لبعض ظهيرا».
فعلى هذا كان الاعجاز
المطلق خاصا باللّه القادر الذي بيده ملكوت كل شيء و هو بكل خلق عليم، و عن كل
سبب غنى، لا يعجزه شيء ممّا في السماوات و الأرض، و ليس كمثله شيء فان له الخلق
و الامر، يقول- أو يأذن لصفيه و رسوله أن يقول- لشيء: «كن. فيكون».
علما بأنّه ليس من
الاعجاز اتيان شيء بأسبابه الطبيعية العادية أو الرياضية حين تتكامل الصنعة في
شتّى العلوم المعاصرة أو المستقبلة، فان التقدّم في اكتشاف نواميس الطبيعة و حل
رموزها التي فطرها اللّه تعالى، و قدر فيها أقواتها، أو استخدام القوى و الأسباب
في الصنائع البديعة، ليس في حقيقته اعجازا، بل فضلا لمكتشفه أو صانعه من بين
أقرانه.