القلب خشوعا، و إلى الله رجوعا و عن غيره نزوعا، و الشاهد الطبع و انقطاع الإنسان إلى الله تعالى عند انقطاعه فيه صبغ و طبع، و لو لم يكن في الاغتراب إلا هذه الفائدة التي هي بكل خير عائدة، لكفاه فضلا و أحرز في السبق إلى الفضل خصلا، فهي أعظم الفوائد و أجمل العوائد، جعلنا الله تعالى ممن تمسك بأسبابه و أقصر قيامه على بابه، و رفع لنا عن مشاهدة أنوار حضرته ستور حجابه، و صرف عنا كل عائق يعوقنا و يشغلنا عن جنابه، إنه الكريم المقصود و الجواد المحمود،
لا يبلغ المرء في أوطانه شرفا* * * حتى يكيل تراب الأرض بالقدم
و لما طال تشوقنا إلى حج بيت الله الحرام، و تشوفنا إلى أن ننال من زيارة قبر نبيه عليه الصلاة و السلام غاية القصد [3] و المرام، و شبت في الأحشاء من شدة الوجد نار لها ضرام، ناديت متمثلا و إلى جانبه العزيز متبتلا:
فلا تنسني يا خير من وطئ الثرى* * * فمثلك لا ينسى لديه خديمه
تعيين ابن عثمان سفيرا و مهمته
فهبت علينا نفحة من نفحاته الطيبة، و لاحظتنا عناية من عناياته محركة إلى فنائه العزيز مقربة، فعيننا سيدنا و مولانا أمير المؤمنين و حصن الإسلام و المسلمين، ظل الله في العالمين و ملجأ الفقراء و المستضعفين، أبو عبد الله المنصور بالله سيدي- 3- محمد [4] بن أمير المؤمنين مولانا عبد الله، أدام الله تعالى أيامه و نصر أعلامه، و جعل النصر و الفتح خلفه و أمامه، و وطد له البلاد و جمع على طاعته قلوب العباد، مع رفقة من الإخوان صنوان و غير صنوان [5]، و أمرنا أدام الله علاه و كان له في جميع أموره و تولاه، بالتوجه
[5] كانت البعثة مكونة من ابن عثمان و مولاي عبد الملك بن إدريس ابن عم و صهر السلطان، و أبي حفص عمر الوزيرق و شيخ الركب أبي محمد عبد الكريم بن يحيى. (الزياني، البستان الظريف، مصدر سابق، ص. 455؛ الناصري، الإستقصا، ج. 8. ص. 57)