أن التبديل يختلف باختلاف مراتب السياسات و التأديب، فيمكن أن لا يرتفع مذموم خلق بمرتبة من التأديب، و يرتفع بمرتبة منه فوقها، و الأسهل قبولا لكل خلق الأطفال لخلو نفوسهم عن الأضداد المانعة من القبول، فيجب على الآباء تأديبهم بالآداب الجميلة، و صونهم عن ارتكاب الأعمال القبيحة حتى تعتاد نفوسهم بترك الرذائل، و ارتكاب الفضائل، و المؤدب الأول هو الناموس الإلهي، و الثاني أولو الأذهان القويمة من أهل المعارف الحقة، فيجب تقييد من يراد تأديبه بالنواميس الربانية أولا، و تنبيهه بالحكم و المواعظ ثانيا.
فصل (شرف علم الأخلاق بشرف موضوعه و غايته)
لما عرفت أن الحياة الحقيقية للإنسان تتوقف على تهذيب الأخلاق الممكن بالمعالجات المقررة في هذه الصناعة، تعرف أنها أشرف العلوم و أنفعها لأن شرف كل علم إنما بشرف موضوعه أو غايته، فشرف صناعة الطب على صناعة الدباغة بقدر شرف بدن الإنسان و إصلاحه على جلود البهائم، و موضوع هذا العلم هو النفس الناطقة التي هي حقيقة الإنسان و لبّه، و هو أشرف الأنواع الكونية كما برهن عليه في العلوم العقلية، و غايته إكمال و إيصاله من أول أفق الإنسان إلى آخره، و لكونه ذا عرض عريض متصلا، أوله بأفق البهائم، و آخره بأفق الملائكة لا يكاد أن يوجد التفاوت الذي بين أشخاص هذا النوع في أفراد سائر الأنواع، فإن فيه أخس الموجودات و منه أشرف الكائنات كما قيل:
و لم أر أمثال الرجال تفاوتت. لدى المجد حتى عدّ ألف بواحد