الخوف منزل من منازل الدين و مقام من مقامات الموقنين، و هو أفضل الفضائل النفسانية، إذ فضيلة الشيء بقدر إعانته على السعادة، و لا سعادة كسعادة لقاء اللّه و القرب منه، و لا وصول إليها إلا بتحصيل محبته و الأنس به، و لا يحصل ذلك إلا بالمعرفة، و لا تحصل المعرفة إلا بدوام الفكر، و لا يحصل الأنس إلا بالمحبة و دوام الذكر، و لا تتيسر المواظبة على الفكر و الذكر إلا بانقلاع حب الدنيا من القلب، و لا ينقلع ذلك إلا بقمع لذاتها و شهواتها، و أقوى ما تنقمع به الشهوة هو نار الخوف، فالخوف هو النار المحرقة للشهوات، فإذن فضيلته بقدر ما يحرق من الشهوات و يكف من المعاصي و يحث على الطاعات، و يختلف ذلك باختلاف درجات الخوف -كما مر-.
و قيل: من أنس باللّه، و ملك الحق قلبه، و بلغ مقام الرضا، و صار مشاهدا لجمال الحق: لم يبق له الخوف، بل يتبدل خوفه بالأمن، كما يدل عليه قوله سبحانه:
إذ لا يبقى له التفات إلى المستقبل، و لا كراهية من مكروه، و لا رغبة إلى محبوب، فلا يبقى له خوف و لا رجاء، بل صار حاله أعلى منهما. نعم، لا يخلو عن الخشية-أي الرهبة من اللّه و من عظمته و هيبته-و إذا صار متجليا بنظر الوحدة لم يبق فيه أثر من الخشية أيضا، لأنه من لوازم التكثر،