كما علم، و هو من طرف الإفراط: أي الإقدام على ما لا ينبغي و الخوض في ما يمنعه العقل و الشرع من المهالك و المخاوف. و لا ريب في أنه من المهلكات في الدنيا و الآخرة. و يدل على ذمه كل ما ورد في وجوب محافظة النفس و في المنع عن إلقائها في المهالك، كقوله تعالى:
و غير ذلك من الآيات و الأخبار. و الحق أن من لا يحافظ نفسه عما يحكم العقل بلزوم المحافظة عنه فهو غير خال من شائبة من الجنون، و كيف يستحق اسم العقل من ألقى نفسه من الجبال الشاهقة و لم يبال بالسيوف الشاهرة، أو وقع [3] في الشطوط الغامرة الجارية و لم يحذر من السباع الضارية. كيف و من ألقى نفسه فيما يظن به العطب، فهلك، كان قاتل نفسه بحكم الشريعة، و هو يوجب الهلاكة الأبدية و الشقاوة السرمدية.
و علاجه-بعد تذكر مفاسده في الدنيا و الآخرة-أن يقدم التروي في كل فعل يريد الخوض فيه، فإن جوزه العقل و الشرع و لم يحكما بالحذر عنه ارتكبه، و إلا تركه و لم يقدم عليه. و ربما احتياج في معالجته أن يلزم نفسه الحذر و الاجتناب عن بعض ما يحكم العقل بعدم الحذر عنه، حتى يقع في طرف التفريط، و إذا علم من نفسه زوال التهور تركه و أخذ بالوسط الذي هو الشجاعة.