و أزهارها، و برارها، و عمارها و مدنها، و أمصارها، و معادنها، و جمادها، و حيوانها، و نباتها، فإن كل ما نظرت إليه منها لو تأملته لوجدته مشتملا على غرائب حكم لا تعد و عجائب مصالح لا تحد، و لرأيته آية باهرة على عظمة مبدعه و حجة قاطعة على جلالة موجده.
فانظر-أولا-إلى (رواسي الجبال) و شوامخ الصم الصلاب،
كيف أحكم بها جوانب الأرض و أودع المياه تحتها، فانفرجت من هذه الأحجار اليابسة و التربة الكدرة مياه عذبة صافية، و أودع فيها الجواهر النفيسة العالية و هدى الناس إلى استخراجها و استعمالها فيما ينبغي، و خلق في الأرض معادن يحتاج إليها نوع الإنسان، و لو فقد واحدا منها لم يتم انتظامه، و لم يترك معمورة لم يكن في قربها هذه المعادن، و جعل ما يكون الاحتياج إليه أشد و أكثر أعم وجودا و أقرب مسافة، كالملح و مثله.
ثم انظر إلى (أنواع النبات)
بكثرتها و اختلافها في الإشكال و الألوان و الطعوم و الروائح و الخواص و المنافع، فهذا يغذي، و هذا يقوي، و هذا يقتل، و هذا يحيى، و هذا يسخن، و هذا يبرد، و هذا يجفف، و هذا يرطب و هذا يسهر، و هذا ينوم، و هذا يحزن، و هذا يفرح... إلى غير ذلك من المنافع المختلفة و الفوائد المتباينة، مع اشتراكها في السقي من ماء واحد، و الخروج من أرض واحدة. (فإن قلت) : اختلافها لاختلاف بذورها، (قلنا) : متى كانت في النواة نخلة مطوقة بعناقيد الرطب؟و متى كانت في حبة واحدة سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة؟و انظر إلى كل شجر و نبت إذا أنزل عليها الماء كيف يهتز و يربو و يخضر و ينمو بجميع أجزائه من الأصول و الأغصان و الأوراق و الأثمار على نسبة واحدة، من غير زيادة لجزء على آخر لوصول الماء إليها على نسبة واحدة و قسمته عليها بالسوية، فمن هذا القاسم