و بين هاتين النفسين نفس متوسطة في السعادة و الشقاوة، و لها مراتب مختلفة في اتصافها بالفضائل و الرذائل بحسب الكم و الكيف و الزمان فيختلف فيها فتح أبواب الملائكة و الشياطين بالجهات المذكورة، فتارة يبتدئ فيها خاطر الهوى فيدعوها إلى الشر، و تارة يبتدئ فيها خاطر الإيمان فيبعثها على الخير، و مثلها معركة تطارد جندى الشياطين و الملائكة و تجاذبهما، فتارة يصول الملك على الشيطان فيطرده، و تارة يحمل الشيطان على الملك فيغلبه، و لا تزال متجاذبة بين الحزبين مترددة بين الجندين، إلى أن تصل إلى ما خلقت لأجله لسابق القضاء و القدر. ثم النفس الأولى في غاية الندرة، و هي نفوس الكمل من المؤمنين الموحدين، و الثانية في نهاية الكثرة و هي نفوس الكفار بأسرهم، و الثالثة نفوس أكثر المسلمين، و لها مراتب شتى و درجات لا تحصى و لها عرض عريض، فيتصل أحد طرفين بالنفس الأولى، و آخرهما بالثانية
فصل (حديث النفس لا مؤاخذة عليه)
قد عرفت أن الوساوس بأقسامها مشتركة في إحداث ظلمة و كدرة في النفس، إلا أن مجرد الخواطر-أي (حديث النفس) و ما يتولد عنه بلا