في نفس الشاب كالحلفاء [1] اليابسة، فإذا وجدها كثرة تولده و تولدت النار من النار و لم تنقطع أصلا.
فظهر أن وسواس الخناس لا يزال يجاذب قلب كل إنسان من جانب إلى جانب، و لا علاج له إلا قطع العلائق كلها ظاهرا و باطنا، و الفرار عن الأهل و المال و الولد و الجاه و الرفقاء، ثم الاعتزال إلى زاوية، و جعل الهموم هما واحدا هو اللّه. و هذا أيضا غير كاف ما لم يكن له مجال في الفكر و سير في الباطن في ملكوت السماوات و الأرض و عجائب صنع اللّه، فإن استيلاء ذلك على القلب و اشتغاله به يدفع مجاذبة الشيطان و وسواسه، و إن لم يكن له سير بالباطن فلا ينجيه إلا الأوراد المتواصلة المترتبة في كل لحظة من الصلوات و الأذكار و الأدعية و القراءة. و يحتاج مع ذلك إلى تكليف القلب الحضور، إذ الأوراد الظاهرة لا تستغرق القلب، بل التفكر بالباطن هو الذي يستغرقه و إذا فعل كل ذلك لم يسلم له من الأوقات إلا بعضها، إذ لا يخلو في بعضها عن حوادث تتجدد و تشغله عن الفكر و الذكر، كمرض أو خوف أو إيذاء و طغيان، و لو من مخالطة بعض لا يستغنى عنه في الاستعانة في بعض أسباب المعيشة.
فصل (ما يتم به علاج الوسواس)
لو أمكن العلاج في القطع الكلي للوساوس فإنما يتم بأمور ثلاثة:
(الأول) سد الأبواب العظيمة للشيطان في القلب،
و هي الشهوة، و الغضب، و الحرص، و الحسد و العداوة، و العجب، و الحقد، و الكبر، و الطمع، و البخل، و الخفة و الجبن، و حب الحطام الدنيوي الدائر، و الشوق
[1] الحلفاء: نبت أطرافه محددة كأنها سعف النخل و الخوص، ينبت في مغايض المياه. الواحدة (حلفة و حلفاء) .