لا شك أن القدرة على التأليف موهبة من اللّه تعالى فوق موهبة العلم و الفهم، و ليس كل من كان عالما استطاع التأليف.
و التأليف في حد ذاته من أبرز الخدمات التي يؤديها العالم للناس في حياته، و من أعظم الحظوظ للإنسانية، و بسببه استطاعت أن تتقدم على مرور الأجيال. و مع ذلك ليس كل تأليف يعد خدمة للناس و حظا للإنسانية.
و إذا أردنا أن نضع المؤلفات في رفوف حسب قيمتها، فانما في فترات منقطعة تظهر مؤلفات من النوابغ يصح أن نضعها في الرف الأعلى و يصدق عليها بحق أنها مما ينفع الناس، فتمكث في الأرض، و تفرض نفسها للخلود و البقاء إذا سلمت من عوادي الدهر الغاشمة. و من سوء الحظ أن الفراغ لا يزال كثيرا في هذا الرف الأعلى.
و من بين الفترات لا بد أن تبرز في كل علم من المؤلفات هي من حقها أن توضع في الرف الثاني أو ما دونه. و حظها أن تنسج على منوال غيرها لتحييها و تهيء انتهاء الفترة لظهور الأثر الخالد مما يوضع في الرف الأعلى.
و هذه غير العثاء الذي يذهب جفاء، و من حقه أن يلقى في سلة المهملات و ما أكثر هذا النوع الرخيص، لا سيما في عصرنا الحاضر الذي سهلت له الطباعة الاسفاف.
و يجب ألا نغالي في مؤلفات شيخنا النراقي فنضعها في الرف الأعلى، و لكن (جامع السعادات) الذي نقدمه، هو بالخصوص من الآثار الخالدة، و إن لم يكن موضعه هذا الرف الأعلى كسائر الكتب الأخلاقية في الدورة الإسلامية. و لا ندري السر في ذلك، لأن الفترة بعد لم تنته لعلم الأخلاق بخصوصه كيما يظهر الأثر الخالد المنتظر الذي سيكون في الرف الأعلى،