و لبث شريك بعد ذلك ثلاثة أيام و مات فصلى عليه ابن زياد [1] و دفن «بالثوية» و لما وضح لابن زياد أن شريكا كان يحرض على قتله قال: و اللّه لا أصلي على جنازة عراقي أبدا و لو لا أن قبر زياد فيهم لنبشت شريكا [2] .
و أخذت الشيعة تختلف إلى مسلم بن عقيل في دار هاني على تستر و استخفاء من ابن زياد و تواصوا بالكتمان فخفي على ابن زياد موضع مسلم فدعا «معقلا» مولاه و أعطاه ثلاثة آلاف و أمره أن يلقى الشيعة و يعرفهم أنه من أهل الشام مولى لذي الكلاع و قد أنعم اللّه عليه بحب أهل بيت رسوله و بلغه قدوم رجل منهم إلى هذا المصر داعية للحسين و عنده مال يريد أن يلقاه و يوصله إليه، فدخل «معقل» الجامع الأعظم و رأى مسلم بن عوسجة الأسدي يصلي، فلما فرغ دنا منه وقص عليه حاله فدعا له مسلم بالخير و التوفيق و ادخله على ابن عقيل فدفع إليه المال و بايعه [3] و سلمه إلى أبي ثمامة الصائدي و كان بصيرا شجاعا و من وجوه الشيعة عينه مسلم لقبض ما يرد عليه من الأموال ليشتري به سلاحا.
فكان ذلك الرجل يختلف إلى مسلم كل يوم فلا يحجب عنه و يتعرف الأخبار و يرفعها إلى ابن زياد عند المساء [4] .
موقف هاني
و لما وضح الأمر لابن زياد و عرف أن مسلما مختبىء في دار هاني بن عروة دعا أسماء بن خارجة و محمد بن الأشعث و عمرو بن الحجاج و سألهم عن انقطاع هاني عنه قالوا: الشكوى تمنعه، فلم يقتنع ابن زياد بعد أن أخبرته العيون بجلوسه على باب داره كل عشية، فركب هؤلاء الجماعة إليه و سألوه المسير إلى السلطان فإن الجفاء لا يحتمله و ألحوا عليه فركب بغلته و لما طلع عليه قال ابن زياد: «أتتك
ق-مسلم» ص 134 فقد تبسطنا في إيضاح ذلك تحت عنوان «مسلم لا يغدر» .
[1] مقتل الحسين للخوارزمي ج 1 ص 202 فصل 10 و تاريخ الطبري ج 6 ص 202.