responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : نفح الطّيب نویسنده : الشيخ أحمد بن محمد المقري التلمساني    جلد : 1  صفحه : 74

على قدرك الصّهباء توليك نشوة

بها سيء أعداء وسرّ صحاب [١]

ولو أنها تعطيك منها بقدرها

لضاقت بك الأكوان وهي رحاب

وكنّا في خلال الإقامة بدمشق المحوطة ، وأثناء التأمّل في محاسن الجامع والمنازل والقصور والغوطة ، كثيرا ما ننظم في سلك المذاكرة درر الأخبار الملقوطة ، ونتفيّأ من ظلال التبيان مع أولئك الأعيان في مجالس مغبوطة ، نتجاذب فيها أهداب الآداب ، ونشرب من سلسال الاسترسال ونتهادى لباب الألباب ، ونمدّ بساط الانبساط ونسدل أطناب الإطناب ، ونقضي أوطار الأقطار ، ونستدعي أعلام الأعلام ، فينجرّ بنا الكلام والحديث شجون ، وبالتفنّن يبلغ المستفيدون ما يرجون ، إلى ذكر البلاد الأندلسية ، ووصف رياضها السندسية ، التي هي بالحسن منوطة ، وقضاياها الموجّهة التي لا يستوفيها المنطق مع أنها ضرورية وممكنة ومشروطة ، والفطر السليمة ، والأفهام المستقيمة ، بتسليم براهينها قاضية لا سيما إن كانت بالإنصاف مربوطة ، فصرت أورد من بدائع بلغائها ما يجري على لساني ، من الفيض الرحماني ، وأسرد من كلام وزيرها لسان الدين بن الخطيب السّلماني ، صبّ الله عليه شآبيب رحماه وبلّغه من رضوانه الأماني! ما تثيره المناسبة وتقتضيه ، وتميل إليه الطباع السليمة وترتضيه ، من النظم الجزل ، في الجدّ والهزل ، والإنشاء ، الذي يدهش به ذاكره الألباب إن شاء ، وتصرّفه في فنون البلاغة حالي الولاية والعزل ، إذ هو ـ أعني لسان الدين ـ فارس النظم والنثر في ذلك العصر ، والمنفرد بالسبق في تلك الميادين بأداة الحصر ، وكيف لا ونظمه لم تستول على مثله أيدي الهصر ، ونثره تزري صورته بالخريدة ودمية القصر.

فلما تكرر ذلك غير مرة على أسماعهم ، لهجوا به دون غيره حتى صار كأنه كلمة إجماعهم ، وعلق بقلوبهم ، وأضحى منتهى مطلوبهم ، ومنية آمالهم وأطماعهم ، وصاروا يقطفون بيد الرغبة فنونه ، ويعترفون ببراعته ويستحسنونه ، ويستنشقون من أزهاره كلّ ذاك ، فطلب منّي المولى أحمد الشاهيني إذ ذاك ، وهو الماجد المذكور ، ذو السعي المشكور ، أن أتصدّى للتعريف بلسان الدين في مصنّف يعرب عن بعض أحواله وأنبائه ، وبدائعه وصنائعه ووقائعه مع ملوك عصره وعلمائه وأدبائه ، ومفاخره التي قلّد بها جيد الزمان ولبّته [٢] ، ومآثره التي أرج بها مسرى الشّمال وهبّته ، وبعض ما له من النّثار والنظام ، والمؤلفات الكبار العظام ، الرائقة للأبصار ، الفائقة على كلام كثير من أهل الأمصار ، السائرة مسير القمر والشمس ،


[١] الصّهباء : الخمر.

[٢] الجيد : العنق. واللّبة : موضع القلادة من الصدر.

نام کتاب : نفح الطّيب نویسنده : الشيخ أحمد بن محمد المقري التلمساني    جلد : 1  صفحه : 74
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست