منه درك الثار ، وانتصاف لأهل الجنّة من أهل النار ، فأمّا الأوطان فقد أسلتهم عنها جهة تنبت العزّ فيما تنبته ، وتنفي من الضيم ما تلك تثبته ، وما ذكر الساخط ، على المحل الساقط ، منازل عادت على مبانيها أطلالا ، ومغانيها أمحالا ، وللعبد حال يستقبل بها من النظر الكريم ـ أدامه الله تعالى! ـ ما أعين الآمال إليه صور [١] ، ورجاء الجميع عليه مقصور ، انتهى.
والغاية في هذا الباب ما كتب به ـ رحمه الله! ـ من جملة كتاب لبعض ذوي الألباب ، ونصّ محل الحاجة منه : نخصّ الجهة البعيدة الصّيت والاسم ، الشهيرة العمل والعلم ، درّة تاجنا ، وضوء سراجنا ، ونكتة احتجاجنا ، أبقاها الله تعالى في أعيننا منارا ، ولأندلسنا فخارا ، على أنه وإن بقيت المفاخر ، فقد أودى المفاخر ، وإن أضاء الطالع ، فقد درجت [٢] المطالع ، وغلب عليها عداة زووا عنها وجوهنا ، وأروا فيها مكروهنا ، حتى أني أتيت بشعر فيه استسقاء للديار ، على عادة الأشعار ، فقلت : [الكامل]
قلت : ما رأيت ولا سمعت مثل هذه الأبيات في معناها ، العالية في مبناها ، فإنّ فيها الإشارة إلى استيلاء النصارى ـ دمّرهم الله! ـ على تلك الديار ، وثبوت قدمهم فيها على طبق ما حصل لهم فيه اختيار ، مع إدماج حبّه لها الذي لا يشكّ فيه ولا يرتاب ، واشتمالها على المحاسن التي هي بغية الرائد ونجعة المنتاب ، ولكل أجل كتاب ، وإذا نفذ سهم المقدور فلا عتاب.
ومما يستولي على الخواطر ، ويروي رياض الأفكار بسحب بلاغته المواطر ، قوله ـ رحمه الله تعالى! ـ يخاطب أبا الحسن الرّعيني [٥] سنة (٦٣٤) : [الكامل]
يا صاحبي والدهر ـ لو لا كرّة
منه على حفظ الذّمام ـ ذميم
[١] صور : جمع صوراء وهي وصف المؤنث من صور يصور ـ بزنة فرح يفرح. إذا مال ، واعوجّ.