رأسا،
بدعوى: انّ الأفعال كلها مخلوقة للّه تعالى، وتصرّفه يكون في ملكه وسلطانه،
والظلم انما هو التصرّف في سلطان الغير، فلا موضوع للظلم في أفعاله تعالى،
وعلى هذا حملوا الآيات النافية للظلم عنه كقوله تعالى: { أنّ اللّه ليْس بِظلاّمٍ لِلْعبِيدِ* } [1]،
فقالوا المراد منه انه لا معنى للظلم منه تعالى، لا انه معقول ولا يفعله،
فهو يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، ولا معنى لإثبات التكليف له تعالى بان
يقال: يجب ان يفعل كذا وان لا يفعل كذا، إذ ليس للعبد تكليف المولى وبيان
الوظيفة له وإلزامه بشيء، فلا مانع ان يدخل النبي في أسفل دركات الجحيم
ويدخل المشرك العاصي في أعلى درجات الجنة إلى آخر ما يسطروه من الخرافات.
و نقول: أما قولهم بأنه ليس للعبد ان يحكم على المولى بشيء فهو حق، إلاّ
انّ المراد من الحكم في المقام ليس هو الإلزام وجعل الوظيفة، وانما المراد
منه الإدراك، فالحكم بأنه عادل كالحكم بأنه عالم وقادر.
و اما قولهم بأنّ الظلم هو التصرف في سلطان الغير ولا معنى له في افعال الباري.
ففيه: انه مغالطة واشتباه بالغصب، فانّ الغصب هو التصرّف في سلطان الغير
ولا يعقل بالقياس إلى مالك الملوك، واما الظلم فهو بمعنى الاعوجاج والخروج
عن العدالة والاستقامة إلى حد الإفراط أو التفريط ولو في ملكه أو نفسه،
مثلا انّ الإنسان على نفسه حقوقا فلا بدّ وان يصرف مقدارا من زمانه في
الأمور الأخرويّة ومقدارا منه في الأمور الدنيويّة يقال انه ظلم نفسه،
وهكذا لو كان للإنسان عبدان وكان أحدهما مطيعا لمولاه في تمام عمره والآخر
عاصيا له كذلك لو أثاب المولى العبد العاصي وعاقب المطيع فهو ظالم ويعد عند
العقلاء مجنونا.