بعضها أن بني إسرائيل هلكوا من كثرة سؤالهم، فمفاد الرواية ان الناس ليس عليهم السؤال عن الحرام في عصر النبي صلى اللَّه عليه و آله بل كل شيء مطلق و مباح ما لم يصدر النهي عنه من الشارع، بخلاف غيره من الأزمنة، فان الأحكام قد صدرت منه صلى اللَّه عليه و آله فيجب على المكلفين السؤال و التعلم، كما ورد في عدة من الروايات فاتضح الفرق بين عصر النبي صلى اللَّه عليه و آله و غيره من العصور من هذه الجهة، إلا أن هذا المعنى خلاف ظاهر الرواية، فان ظاهر عليه السلام كل شيء مطلق هو الإطلاق الفعلي و الإباحة الفعلية، بلا تقييد بزمان دون زمان، لا الاخبار عن الإطلاق في زمان النبي صلى اللَّه عليه و آله و ان كل شيء كان مطلقا في زمانه ما لم يرد النهي عنه، فتعين أن يكون المراد من الإطلاق هي الإباحة الظاهرية لا الواقعية. و عليه فلا مناص من ان يكون المراد من الورود هو الوصول، لأن صدور الحكم بالحرمة واقعا لا يكون رافعا للإباحة الظاهرية ما لم تصل إلى المكلف، كما هو ظاهر، فنفس كلمة (مطلق) في قوله عليه السلام: كل شيء مطلق قرينة على أن المراد من الورود هو الوصول.
و أما المحقق النائيني (ره) فذكر أن مفاد هذه الرواية هو اللاحرجية العقلية الأصلية، قبل ورود الشرع و الشريعة، فهي أجنبية عن محل الكلام و هو إثبات الإباحة الظاهرية، لما شك في حرمته بعد ورود الشرع و قد حكم فيه بحرمة أشياء و حلية غيرها.
هذا و فيه من البعد ما لا يخفى، لأن بيان الإطلاق الثابت عقلا قبل ورود الشرع لغو لا يصدر من الإمام عليه السلام، إذ لا تترتب عليه ثمرة و فائدة فلا يمكن حمل الرواية عليه، مضافا إلى أن ظاهر الكلام الصادر من الشارع أو ممن هو بمنزلته كالإمام عليه السلام المتصدي لبيان الأحكام الشرعية هو بيان الحكم الشرعي المولوي لا الحكم العقلي الإرشادي.