عليهم أنه اذا كان مناط الوجوب المقدمية فلا تفصيل، و إلّا فلا تفصيل أيضا.
بل هو أمر آخر و هو أن القائلين بالتفصيل الأول توهّموا أنّ الامر بالمسبّب امر بالسبب حقيقة لكونه مقدورا دون المسبّب، فإنّ مرادهم بالأسباب الأفعال المباشرية و بالمسببات الأفعال التوليدية التي لا يكون لها إرادة و لا إرادة المسبّبات كما مرّ سابقا من أنّ السبب و المسبّب و إن كانا وجودا و ايجادا متعددا إلّا أنه بإصدار واحد و هو لا ينشأ إلّا بإرادة واحدة، فتوهّموا أنه لمّا لم يكن للعبد إلّا إرادة واحدة متعلّقة بالأسباب فلا جرم تكون المقدمة السببية واجبة لعدم انفكاك وجوبها عن وجوب المسبّب.
و فيه: أنه خروج عن محلّ النزاع، فإنه فيما اذا تمكّن من ايجاد المقدمة و ذيها بإرادتين مستقلّتين، واحدهما للوجوب النفسي، و الآخر للوجوب التبعي المقدمي، و على ما توهّموا تعلّق الوجوب النفسي بالمقدمة و لم يجب ذوها أصلا، و هو خلاف المفروض كما لا يخفى، مضافا الى جواز تعلّق الوجوب بالمسبّب و كونه مقدورا و لو بالواسطة.
و أما بيان التفصيل الثاني فحاصله: أنه لمّا كان إتيان ذي المقدمة ممكنا عقلا بدون المقدمة إلّا أنّ الشارع لم يمضه بدونها لا جرم يكون الواجب متقيّدا بهذه المقدمة الشرعية نحو دخول التقيّد و خروج القيد و إتيان الواجب المتقيّد لا يمكن إلّا بإتيان قيده، فإنّ التقيّد أمر اعتباري لا وجود له إلّا بمنشإ انتزاعه- أعني القيد- فلا بدّ من شمول الواجب النفسي لهذا القيد ليتمكّن المكلف من إتيانه فتكون المقدمة الشرعية واجبة لكونها قيدا لذيها.
و فيه: ما مرّ من أنه خروج عن المتنازع أيضا، فإنه في وجوبها التبعي و على هذا يكون وجوبها نفسيا.
مضافا الى إمكان عدم حصول الواجب عقلا إلّا بإتيانها، غاية الأمر كشف الشارع عن هذا الحكم، فتكون القيود الشرعية قيودا عقلية حقيقية كما مرّ سابقا.