وفي سنة ست وعشرين وستمائة (٦٢٦ ه) اشتهر أمر هذه الغزوة ، وتواترت الأنباء بها من الأندلس والعدوة [١] ، فتحرّك الوالي للاستعداد ، وأخذ أهل الجهات بأهبة الجهاد ، فعرض وكتب ، ودبّر ورتب ، وميّز من قومه ومن فئة الأجناد نيفا على ألف فارس ومن فرسان الحضر والرعية مثلهم ومن الرجّالة ثمانية عشر ألفا ، فكمل ذلك على الحال الحسنة ، وذلك في شهر ربيع الأول من السنة [٢].
ثم استدعى أهل البوادي في شعبان [٣] ، ولم يرخص في التخلف لأحد كائن من كان ، فنفروا إليه جميعا ، وأمرهم بنقل الأطعمة إلى البلد فنقلوها سريعا. ثم ضبط المراسي بالرّجال ، وأذكى العيون بمرابض السّواحل ومرابئ [٤] الجبال ، وقدّم على كل جزء قائدا وناظرا ، وجعل كل ما يحتاج عند / ١٥ / حضور القتال حاضرا.
فانتظر الناس عدوّهم في تعبئة تسرّ الناظرين [٥] ، ورجوا نصر الله وهو
[١] يريد العدوة المغربية (بلاد المغرب) التي تقابلها العدوة الأندلسية.
[٤] مفردها مربأ ، أي أعالي الجبال. يقول غيلان الربعي :
قد أغتدي والطير فوق الأصواء
مرتبئات فوق أعلى العلياء
لسان العرب ، ج ١ ، ص ٨٢.
[٥] إشارة إلى قوله تعالى على لسان بني إسرائيل حين أمرهم بذبح بقرة : (" قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما لَوْنُها قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ صَفْراءُ فاقِعٌ لَوْنُها تَسُرُّ النَّاظِرِينَ"). سورة البقرة ، الآية رقم ٦٩.