الآية 56]، قال تعالى في ملك النفس:
كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَ الْفَحْشاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا
الْمُخْلَصِينَ [يوسف: الآية 24]، و قال تعالى في ملك المعرفة و العلم:
ذلِكُما مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ
قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ هُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ [يوسف: الآية 37]، فإذا خوطبت بهذا الخطاب يا أيها الصديق الأكبر،
أعطيت الحظ الأوفر، من العلم الأعظم، و منحت و هنيت بالتوفيق و المنن و القدرة و
الولاية العامة، و الأمر النافذ على النفس و غيرها من الأشياء و التكوين، بإذن إله
الأشياء في الدنيا قبل الآخرة. و أما في الأخرى في دار السلام و الجنة العليا،
فالنظر إلى وجه المولى الكريم زيادة و منه، و هو المنى الذي لا غاية له و لا
منتهى، و اللّه الموفق لحقائق ذلك، إنه رؤوف رحيم.
المقالة السابعة و العشرون في أن الخير و الشر ثمرتان
قال رضي اللّه عنه و أرضاه: اجعل الخير و الشر ثمرتين من غصنين من
شجرة واحدة، أحد الغصنين يثمر حلوا و الآخر مرّا، فاترك البلاد و الأقاليم و نواحي
الأرض التي يحمل إليها هذه الثمار المأخوذة من هذه الشجرة، و ابعد منها و من أهلها
و اقترب من الشجرة و كن سائسها و خادمها القائم عندها، و اعرف الغصنين و الثمرتين
و الجانبين، فكن إلى جانب الغصن المثمر حلوا، فحينئذ يكون غذاؤك و قوتك منها، و
اجتنب أن تقدم إلى جانب الغصن الآخر فتأكل من ثمرته فتهلك من مرارتها، فإذا دمت
على هذا كنت في دعة و أمن و راحة و سلامة من الآفات كلها، إذ الآفات و أنواع
البلايا تتولد من تلك الثمرة المرة، و إذا غبت عن تلك الشجرة و همت في الآفاق و
قدم بين يديك من تلك الثمرتين و هي مخلطة غير متميزة الحلوة من المرة هنا فتناولت
منها، فربما وقعت يدك على المرة فأدنيتها من فيك فأكلت منها جزءا و مضغته، فسرت
المرة إلى أعماق لهواتك و باطن حلقك و دماغك و خياشيمك، فعملت فيك و سرت في عروقك
و أجزاء جسدك فهلكت بها، و لفظك الباقي من فيك و غسل أثره لا ينفع و لا يدفع عنك
ما قد سرى في جسدك و لا ينفعك، و إن أكلت ابتداء من الثمرة الحلوة و سرت حلاوتها
في أجزاء جسدك و انتفعت بها و سررت فلا يكفيك ذلك، فلا بد تتناول غيرها ثانيا، فلا
تأمن أن تكون الثانية من المرة فيحل بك ما ذكرته لك، فلا خير في البعد عن الشجرة و
الجهل بثمرتها و السلامة في قربها
نام کتاب : سر الأسرار و مظهر الأنوار فيما يحتاج إليه الأبرار نویسنده : الجيلاني، عبد القادر جلد : 1 صفحه : 91