انظروا إلى الدّنيا نظر الزّاهدين فيها الصّارفين عنها فإنّها و
اللّه عن قليل تزيل الثّاوي الساكن و تفجع المترف الآمن لا يرجع ما تولّى منها
فأدبر و لا يدري ما هو آت منها فينتظر. سرورها مشوب بالحزن و جلد الرّجال منها إلى
الضّعف و الوهن فلا تغرّنكم كثرة ما يعجبكم فيها لقلّة ما يصحبكم منها فرحم اللّه
امرآ تفكّر فاعتبر فأبصر و كأنّما هو كائن من الدّنيا عن قليل لم يكن ما هو كائن
من الآخرة عمّا قليل لم يزل و كلّ معدود منتقص و كلّ متوقّع آت و كلّ آت قريب دان،
و العالم من عرف قدره و كفى بالمرء جهلا أن لا يعرف قدره و إنّ أبغض العباد إلى
اللّه لعبد وكّل اللّه بنفسه جائر عن قصد السّبيل سائر بغير دليل إن دعي إلى حرث
الدّنيا عمل و إلى حرث الآخرة كسل كأنّ ما عمل له واجب عليه و ما ونى عنه ساقط عنه
و ذلك زمان لا يسلم فيه إلّا كلّ مؤمن نؤمة إن شهد لم يعرف و إن غاب لم يتفقّد
أولئك مصابيح الهدى و أعلام السّرى ليسوا بالمساييح و لا المذاييع البذر أولئك
يفتح اللّه عليهم أبواب رحمته و يكشف عنهم ضرّ نقمته.
يا أيّها النّاس إنّه سيأتي عليكم زمان يكفأ فيه الإسلام كما يكفأ
الإناء بما فيه، أيّها النّاس إنّ اللّه تعالى قد أعاذكم من أن يحم عليكم و لم
يعذكم من أن يبتليكم لقوله تعالى: إِنَّ فِي ذلِكَ
لَآياتٍ وَ إِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ (30) [سورة المؤمنون:
30].