responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : حى بن يقظان نویسنده : ابن طفيل    جلد : 1  صفحه : 91

آسال يلتقي بحي‌

فاما آسال فلم يشك انه من العباد المنقطعين، وصل الى تلك الجزيرة لطلب العزلة عن الناس، كما وصل هو اليها. فخشي ان هو تعرض له، و تعرف به، ان يكون ذلك سببا لفساد حاله، و عائقا بينه و بين امله. و اما حي بن يقظان فلم يدر ما هو، لانه لم يره على صورة شي‌ء من الحيوانات التي كان قد عاينها قبل ذلك. و كان عليه مدرعة سوداء من شعر و صوف؛ فظن انها لباس طبيعي. فوقف يتعجب منه مليا.

و ولى آسال هاربا منه، خيفة ان يشغله عن حاله؛ فاقتفى حي بن يقظان اثره لما كان في طباعه من البحث عن حقائق الأشياء. فلما رآه يشتد في الهرب، خنس عنه و توارى له، حتى ظن آسال انه قد انصرف عنه، و تباعد من تلك الجهة.

فشرع آسال في الصلاة و القراءة، و الدعاء و البكاء، و التضرع و التواجد، حتى شغله ذلك عن كل شي‌ء. فجعل حي بن يقظان يتقرب منه قليلا قليلا، و آسال لا يشعر به، حتى دنا منه بحيث يسمع قراءته و تسبيحه، و يشاهد خضوعه و بكاءه. فسمع صوتا حسنا، و حروفا منظمة، و لم يعهد مثلها من شي‌ء من اصناف الحيوان. و نظر الى اشكاله و تخطيطه، فرآه على صورته؛ و تبين له ان المدرعة التي عليه ليست جلدا طبيعيا، و انما هي لباس متخذ مثل لباسه هو. و لما رأى حسن خشوعه و تضرعه و بكائه، لم يشك في انه من الذوات العارفة بالحق؛ فتشوق اليه، و اراد ان يرى ما عنده، و ما الذي اوجب بكاءه و تضرعه. فزاد في الدنو منه حتى احس به آسال، فاشتد في العدو؛ و اشتدّ حي بن يقظان في اثره، حتى التحق به- لما كان اعطاه اللّه من القوة و البسطة في العلم و الجسم- فالتزمه و قبض عليه، و لم يمكنه من البراح.

فلما نظر اليه آسال، و هو مكتس بجلود الحيوانات ذوات الاوبار، و شعره قد طال حتى جلل كثيرا منه؛ و رأى ما عنده من سرعة الحضر و قوة البطش، فرق منه فرقا شديدا، و جعل يستعطفه، و يرغب اليه بكلام لا يفهمه حي بن يقظان، و لا يدري ما هو. غير انه كان يميز فيه شمائل الجزع. فكان يؤنسه بأصوات كان قد تعلمها من بعض الحيوانات، و يجر يده على رأسه، و يمسح اعطافه، و يتملق اليه، و يظهر البشر و الفرح به، حتى سكن جأش آسال، و علم انه لا يريد به سوءا. و كان آسال قديما، لمحبته في علم التأويل، قد تعلم اكثر الألسن، و مهر فيها، فجعل يكلم حي ابن يقظان، و يسأله عن شأنه بكل لسان يعلمه، و يعالج افهامه، فلا يستطيع. و حي ابن يقظان في ذلك كله يتعجب مما يسمع، و لا يدري ما هو؛ غير انه يظهر له البشر و القبول. فاستغرب كل واحد منهما امر صاحبه.

و كان عند آسال بقية من زاد كان قد استصحبه من الجزيرة المعمورة. فقربه الى‌

نام کتاب : حى بن يقظان نویسنده : ابن طفيل    جلد : 1  صفحه : 91
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست