فى الزنا إراقة للنطفة، و سفح لها فى غير محلها، فلو كان منها ولد
لكان مقطوع النسب، مقطوع الصلة، ساقط الحق، فمن تسبب فى وجوده على هذه الحالة
فكأنه قتله، و لهذا بعد ما نهى قتل الأولاد، نهى عن الزنى الذى هو كقتلهم، لأنه
سبب لوجودهم غير مشروع.
قال الجوهرى[1]: (قربته
أقربه قربانا، أى: دنوت منه).
فقوله تعالى: وَ لا تَقْرَبُوا
الزِّنى، فى النهى أبلغ و آكد من (و لا تزنوا)؛ لأنه بمعنى:
و لا تدنوا من الزنا. و أفاد هذا تحريم الزنا، و تحريم الدنو منه، لا
بالقلب و لا بالجوارح.
فقد جاء فى «الصحيح»: «كتب على ابن آدم نصيبه من الزنا فهو مدرك ذلك
لا محالة، العينان زناهما النظر، و الأذنان زناهما الاستماع، و اللسان زناه
الكلام، و اليدان زناهما البطش، و الرجل زناها الخطى، و القلب يهوى و يتمنى، و
يصدق ذلك الفرج أو يكذبه»[2].
فزنا هذه الجوارح دنو من الزنا الحقيقى، و مؤد إليه.
حمى الشرع:
و قد حمى الشرع الشريف العباد من هذه الفاحشة بما فرض من الحجاب
الشرعى، و هو ستر الحرة ما عدا وجهها و كفيها، و جمع ثيابها عند الخروج بالتجلبب،
و بما حرم من تطيب المرأة، و قعقعة حليها عند الخروج، و خلوتها بالأجنبى، و اختلاط
النساء و الرجال.
فتضافر النهى و التشريع على إبعاد الخلق عن هذه الرذيلة.
و المسلم المسلم، من تحرى مقتضى هذا النهى، و هذا التشريع فى الترك و
الابتعاد.
الفطر تدرك الحسن و القبيح: معالجة هذه الرذيلة بتقبيحها و سوء
عاقبتها:
بين تعالى قبحها بقوله: إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً.
و الفاحشة هى الرذيلة التى تجاوزت الحد فى القبح.
و عظم قبح الزنا مركوز فى العقول من أصل الفطرة كان و لم يزل كذلك
معروفا.