قال: عظيم المعرفة بعظيم قدر ما ينال بالفكرة من المنافع في الدنيا و
الآخرة، و بعظيم قدر ضرر الغفلة عن الفكر في المعاد.
قلت: فإن اعترضته هذه الثلاث الخلال عند ذكره عظيم قدر ما ينال
بالفكرة من المنافع، فبم يدفعهنّ عند ذلك إذا ثقلت- باعتراضهنّ- الفكرة عليه؟
قال: يرجع العبد إلى نفسه في هذه الثلاث الخلال، إذا اعترضت عند
إرادته الفكرة، أو عرض بعضها دون بعض؛ لأن كل خلّة منها فيها عبرة يذكر شكلها من
شدائد الآخرة، بل أعظم و أطمّ.
فيرجع إلى نفسه بالعتاب لها و بالتوبيخ في ذلك، فيقول لها: أتجزعين
أن أسجن عقلك عن النظر في الدنيا؟ فكيف بسجنك في النار أبدا؟ فتحمّلي هذا الثقل
القليل للنجاة من السجن الطويل، أتجزعين من سجن عقلك فيك عن النظر في الدنيا
لنجاتك و فوزك في المعاد؟ و لا تجزعين إن تركت الفكرة التي تحجزك عن المعاصي التي
تورثك السجن، و تكبّك في النار أبدا؟ فمن السجن في النار فاجزعي! فتحملي هذا
القليل الفاني للنجاة الدائمة.