اعلم أن الناس مختلفون في ذلك على ثلاث منازل، لا رابع لها:
فمنهم من نشأ على الخير لا صبوة له إلّا الزلة عند الشهوة، كالزلة
التي لم يعر من مثلها النبيون و الصديقون، ثم يرجع إلى قلب طاهر لم تعتوره
الشهوات، و لم يغتذ اللذات من الحرام، و لم تعتقبه الذنوب، و لم يعل قلبه الرّين،
و لم تغلب عليه القسوة.
فرعاية حقوق اللّه عزّ و جلّ، و القيام بها على هذا أسهل، و المحنة
عليه أخفّ، و دواعي النفس له أقلّ و أضعف، لأن قلبه طاهر، و اللّه عزّ و جلّ عليه
مقبل، و له محبّ و متولّ، و الوليّ لا يخذل وليّه، و الحبيب لا يسلم إلى الهلكة
حبيبه.
و قد جاء في الحديث: «يعجب ربّك للشاب ليست له صبوة»[2]، أي يسرّ به و يعظم قدره عنده؛ لأن
العجب على وجهين:
أحدهما: المحبّة بتعظيم قدر الطاعة، و السخط بتعظيم قدر الذنب في
الجرأة.
و الوجه الثاني: الاستكثار للشىء، و إنما يعجب استكثارا للشىء
الجاهل
[1] - في بعض النسخ: باب اختلاف الناس في طلب التقوى و
في رعاية الأعمال للّه تعالى، الرعاية ما هي؟
[2] - الحديث عن عقبة بن عامر، أخرجه أحمد 4/ 151، و
ابن المبارك في الزهد( 349)، و أبو يعلى 3/ 288( 1749)، و الطبراني في الكبير 17/
309( 853)، و القضاعي في مسند الشهاب 1/ 236( 576)، و حسّن الهيثمي إسناده في
المجمع 10/ 270، و هو كذلك؛ لأنه و إن كان فيه ابن لهيعة، فقد تابعه عمرو بن
الحارث في رواية ابن المبارك، و اللّه أعلم.