باب الرد على من قال إن الحسد بالجوارح و
أنه لا يضر إذا كان في القلب ما لم يبده بفعل جارحة، و بيان خلافه للعلم
قلت: فما معنى قول الحسن، و سئل عن الحسد، فقال: غمّه، فإنه لا يضرّك
ما لم تبده؟.
قال: معنى ذلك صحيح، لأنه إذا غمه و لم يبده فلم يدع إبداءه إلا من
كراهيته له، فذلك الذى وصفت لك من الردّ بالكراهية، لأن الكراهية منعته أن يبديه،
فيستعمله بلسان أو جارحة، و لو أنه لم يبال أن يبديه و لم يغمه، كما قال الحسن، و
لكن لم يجد له موضعا و لا أحدا يبديه إليه، و قد يكره و يسوءه ما أنعم اللّه به
عليه، و يحبّ زوال ذلك عنه؛ لكان حاسدا، لأن الحسد إنما هو بالقلب، و إن يستعمله
باللسان أو اليد كان أعظم لإثمه، كما فعل إخوة يوسف ليوسف.
فإذا استعمله بالكذب عليه و الغيبة له، أو الكلام أو الوقيعة فيه عند
من يقبل منه، فيحرمه الخير، من علم يعلمه، أو صلة يصله بها، أو معونة يعينه بها،
أو الدعاء عليه، أو الأذى له بالجوارح و ذلك كله ليس بالحسد، و لكن عمل عن الحسد،
بعثه عليه الحسد، حتى استعمل جوارحه بما يكره اللّه عزّ و جل، فيمن حسده، و لو كان
هذا هو الحسد لكان هذا الفعل من العباد لرغبة أو