باب عمل السر و الضعف عن إظهار العمل خوف
العدو و حذر الشهرة
قلت: فإذا كان فضل عمل السرّ كما ذكرت على عمل العلانية، و لسنا من
رجال القدوة، فلا نظهر عملا و لا نعمل إلا سرّا؟
قال: ذلك غلط و خدع من العدو؛ لأن اللّه عزّ و جلّ مدح السرّ و
العلانية، فقال عزّ من قائل: الَّذِينَ يُنْفِقُونَ
أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَ النَّهارِ سِرًّا وَ عَلانِيَةً[1].
و قال عزّ و جلّ: إِنْ تُبْدُوا
الصَّدَقاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَ إِنْ تُخْفُوها وَ تُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ
خَيْرٌ لَكُمْ[2].
فالسرّ أفضل من العلانية، و العلانية أفضل من البطالة و ترك العمل،
فالسر أفضل ما أمكن السر، فإذا لم يمكن السرّ فالعمل علانية مع الإخلاص للّه وحده
أفضل من الترك.
قلت: فقد كره المعرفة و الشهرة بالخير قوم أئمة أقوياء: منهم
إبراهيم، استأذن عليه رجل و هو يقرأ فأطبق المصحف، فقال: لا يرى هذا أني أقرأ كل
ساعة. و منهم إبراهيم التيمي، قال: إذا أعجبك الكلام فاسكت، فإذا أعجبك السكوت
فتكلّم[3]. و قال
الحسن: إن كان أحدهم ليمرّ بالأذى ما يمنعه من رفعه إلّا كراهية الشهرة، و في ذلك
آثار كثيرة. و كان أحدهم يأتيه