قلت: قد تبيّن لي أن المعرفة و الكراهة مع الإباء إذا اجتمعا انتفى
الرياء، و أنه إنما ينال ذلك بنهيه نفسه بعقله بما استودعه اللّه عز و جل من العلم
بضرر عارض الرياء و منفعة ردّ الرياء عن قلبه في يوم فقره، و قد قلت: إنهما إذا
افترقا لم ينتف الرياء. فكيف لي باجتماعهما؟! و من أين عزبت المعرفة عني؟
و بم ينال حتى لا تذهب المعرفة عن العبد عند عارض الرياء؟ و من أين
عزبت الكراهة بعد المعرفة فلم يستعملها؟ و بم ينال استعمالها؟
قال: أما المعرفة فإنما عزبت من النسيان و زوال الذكر. و الذكر إنما
عزب لعزوب الحذر و الاهتمام، فإذا اهتمّ و حذر تيقّظ و ذكر، و إذا ذكر عرف ما عرض
من الرياء.
قلت: فبم ينال الاهتمام و الحذر؟
قال: بالعناية.
قلت: فبم ينال العناية؟
قال: بالمعرفة بقدر منفعة الإخلاص في الدنيا و الآخرة من ثواب اللّه
عز و جل في القلب في عاجل الدنيا، و ثوابه في الآخرة، بالرضا و الجنة، و ضرر
الرياء على القلب مما يورثه القسوة و الرّين و الحبط لعمله غدا في يوم فقره
وفاقته، و التعرض للمقت من ربّه جل و عز، فإذا عظم قدر ذلك في قلبه عني به، و إذا
عنى به اهتمّ بالقيام بأمر اللّه عز و جل من الإخلاص، و حذر تضييع أمره فيه