لقد كان العصر الذى عاش فيه الحارث رحمه الله زاخرا بأئمة الحديث و
رجاله المهتمين بروايته و حفظه و جمعه و الرحلة فى طلبه، و قد كان لهم منهجهم
المتميز فى الفقه و التعامل مع النصوص، كما كان لهم رأى ناقد لكل من خالف طريقتهم
من أهل الرأى أو المتكلمين أو المتصوفة.
فقد كان كثير من أئمة الحديث يرفض الكلام فى الدين بغير نص، و ينظر
إلى المتكلمين برأيهم أو ذوقهم نظرة إنكار و لو كانوا يدافعون عن الدين، و يردون
على الباطل، فهذا عبد الرحمن بن مهدى (ت 198) شيخ الإمام أحمد بن حنبل يقول: «يحرم
على الرجل أن يقول فى أمر الدين إلا شيئا سمعه من ثقة»[1]
و حين ذكر عنده أهل الرأى قال: لا تَتَّبِعُوا
أَهْواءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَ أَضَلُّوا كَثِيراً وَ ضَلُّوا عَنْ
سَواءِ السَّبِيلِ [المائدة: 77][2].
و قيل له: إن فلانا قد صنف كتابا فى السنة ردا على فلان فقال: ردا
بكتاب الله و سنة نبيه صلّى اللّه عليه و سلم؟ قيل: بكلام. قال: «رد باطلا بباطل»[3] و هذا يدل على أن هذه الطائفة من
المحدثين كانت ترفض مبدأ الرد على الخصوم بنفس طريقة الخصوم، و تعتبر أن من فعل
ذلك فقد رد باطلا بباطل.
بل كانوا يواجهون بالتجريح أهل الرأى، و يردون مروياتهم فى بعض
الأحيان[4].