باب في الأمرين من أمور اللّه تعالى
يعرضان بأيهما يبدأ؟
قلت: أجمل لي في علل ذلك كله جملة مختصرة لأفهمه.
قال: إذا عرض له أمر مما أمر اللّه عزّ و جلّ به أو ندب إليه نظر في
ذلك، حتى يؤديه كما أحبّ اللّه عز و جل و أوجب، فإذا عرض لك أمران واجبان فابدأ
بأوجبهما، و إن عرض له واجبان لأحدهما وقت يفوت، و الآخر لا يفوت وقته، بدأ بما
يفوت وقته، فيقدّم ما قدّم اللّه و يؤخر ما أخر اللّه عزّ و جلّ؛ و إن كان في فرض
فعرض دونه لم يخرج إليه؛ فيكون عاصيا بتركه ما أوجب اللّه عزّ و جلّ عليه بعدما
دخل فيه؛ و إن عرض له فرض أوجب مما هو فيه قطعة و لا يمكث فيما هو دخل فيه، فيكون
عاصيا للّه، ثم كما كتبت لك بابا بابا، و كذلك لا يدع الفرض للنافلة، و كذلك يعمل
في النافلة الأفضل فالأفضل على ما كتبت لك.
قلت: فإن عرض أمران واجبان أو فضلان، فلم يتبيّن أيهما أوجب أو أفضل؟
قال: ينظر أيهما أخفّ على قلبه، فإن كان أخفّ من قبل الهوى أتى الذي
ثقل، لأنه لا يؤمن عليه أن يعمل الذي خفّ عليه لهوى نفسه لا لربّه عزّ و جلّ؛ و إن
كان أخف عليه لأنه أسلم أو القلب فيه أزيد عملا- و ما أقل ذلك إلّا من قلوب
الصادقين الأقوياء- أتى الذي هو أخف؛ لأنه لأن يعبد اللّه عزّ و جلّ بنشاط الطاعة،
أفضل من أن يعبده بكراهة و مكابدة، و لا يؤمن عليه