فإن انضم إلى ذلك استخدام القوة الخطابية، و
المواهب النفسية في إظهار الحق في معرض الباطل. و رسم الباطل في مظهر الحق كان
الإثم أشد، و الجرم أكبر أما أن تستخدم البلاغة، و قوة العارضة في نصرة الحق و
إزهاق الباطل، في عبارة سياجها الأدب. منزهة عن التشهير بالخصم و الثلم للعرض فذلك
ما لا حرج عليك فيه. بل لك من اللّه أجر الدفاع، و ثواب الإقناع.
و إذا كان قضاء الحاكم بالباطل لا يحل حراما، و لا يحرم حلالا فبأي
وجه يستحل المحامون أجر الدفاع عن الباطل إذا وقفوا على الحقيقة قبل التوكيل أو في
أثناء المرافعة. ليعلموا أن الحياة الدنيا متاع، و أن ما عند اللّه خير و أبقى، و
أنه لا يبقى على الحرام ملك، و لا يضيع عند اللّه حريص على حق.
2- من ادّعى حقا أمام القاضي، و عجز عن إثباته
، و طلب يمين المدعي عليه فحلف، فبرّأه القاضي، و هو في الحقيقة
مدين- لم يبرأ عند اللّه و لم يحل له بذلك حق أخيه. فلو تمكن المدعي من إثبات
دعواه بعد وجب على القاضي الاستماع لبينته. و نقض الحكم الأول، فإن الحق قديم و
الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل، و كذلك لو ادّعى إنسان على آخر مالا،
أو ادعى زوجية امرأة لم ترض به زوجا، أو ادّعى على رجل تطليقه لزوجته؛ و أقام
البينة على ذلك، و كانت في الظاهر بينة عادلة، فحكم بها القاضي، و هي في الواقع
كاذبة مزورة؛ لم يحل له المال، و لم يكن له حقوق الأزواج، و لم تحرم المدعي طلاقها
على زوجها بل المدعي مؤاخذ بعلمه و معاقب على كذبه، و لا يرفع عنه حكم القاضي الذي
أداه إليه اجتهاده.
3- يدل الحديث على أن الرسول صلى اللّه عليه و سلم قد يخالف قضاؤه
الواقع
، و ليس ذلك بمناف لمقام النبوة، و مبدأ العصمة. فإن ذلك في المبادىء
التشريعية؛ و الأحكام الدينية، التي هي قانون عام للناس يرجعون إليه في كل العصور؛
فهذه لا يخطىء فيها؛ و إن أخطأ- بأبي هو و أمي- على رأي من يرى له الاجتهاد في سن
الأحكام الشرعية نزل عليه وحي اللّه بالصواب، إذ هو أسوة للناس و قدوة، فلا يقرّ
على الأخطاء، و إن كانت من غير قصد، أما الأحكام القضائية فقد يكون فيها الخطأ، لا
في مبادئها، و لكن في طرقها فقد يحكم ببينة يراها عادلة و الواقع أنها فاسقة؛ و قد