يتخولنا: يتعهدنا بتنويع المواعظ و لا يثقل علينا بمتابعتها، السامة:
الملل و الشجر.
الشرح:
خير الواعظين وعظا و أجداهم نفعا و أكثرهم تأثرا من يتفقد أحوال
الناس و أنسب أوقاتهم فيلقي إليهم بمواعظة و ينشر بينهم ماثره.
كما أن أحسن العلماء أثرا من اختار للناس مسائل العلم؛ و انتقى ما
يفيدهم في دنياهم و آخرتهم؛ و كان في كل ذلك حسن العبارة فصيح القول يخلط الجد
بالمزاح الطريف و الحكمة بالفاكهة الشيقة[1]،
و ينتهز تشوقهم إلى ما يبين لهم و خلوهم من شواغل الدنيا، و استجمام[2] قواهم و رغبتهم في التفقه و
التعلم، فهناك يكون لوعظه و علمه أبين الأثر و أنجح الفائدة.
و هذا قدوة المؤمنين صلى اللّه عليه و سلم كان يتفقد الأوقات
المناسبة للصحابة فيعظهم و يعلمهم؛ و يجعل من حوادثهم و أحوالهم عظات بالغات، و
دروسا جمة المنافع و ما كان يداوم عليهم بذلك مخافة أن يلحقهم الملل و الضجر
فيسأموا و ينصرفوا عن سماعه و قبول قوله؛ و لكنه كان كالطبيب يعطي من الدواء
بالمقدار الملائم للمرض و يتمشى معه في طريق العلاج مترقيا في مقادير الدواء حتى
لا يمل المريض و يكره الدواء فيصعب علاجه و يستفحل[3]
داؤه و يعز شفاؤه، و في الحق أن للنفوس أوقاتا تكون فيها راغبة في العلم تواقة[4] إلى سماع الموعظة و ذلك عند صفائها
و استراحتها من العناء و المشقة؛ و حين ذاك ينبغي أن تتبلغ[5]
منهما بما يناسب مقدارا و مادة و أن لها أوقاتا تكون فيها مكدودة ضجرة، قد أثقلتها
متاعب الحياة و شغلتها صوارف[6] الأيام
فلا تقبل علما و لا تقبل على عالم، بل تنفر و تفر هاربة لا تلوي على نصح