نام کتاب : الموجز فى تاريخ فلسطين السياسى نویسنده : شوفاني، الياس جلد : 1 صفحه : 61
مانيتو (من عصر البطالمة) عنهم، إذ يقول:
«لا أعرف لماذا هبت رياح الغضب الإلهي علينا حتى تجاسر فجأة أناس من أصل غير
معروف، جاؤوا من آسيا، فأغاروا في عهد الملك توتيمايوس على بلادنا مصر، و استطاعوا
بسهولة، و من دون قتال أن يستولوا عليها. و قد أسر هؤلاء القوم زعماء البلاد، و
أحرقوا المدن بصورة وحشية و هدموا معابد الآلهة، و عاملوا السكان بمنتهى القساوة،
فقتلوا بعضهم، و ساقوا النساء و الأطفال إلى العبودية ...»[1]
فالدلائل تشير إلى عكس ما يقول مانيتو، إذ أدخل الهكسوس إلى مصر
عناصر حضارية جديدة، مادية و روحية، في فترة كان الهبوط هو السمة العامة هناك. كما
وفروا خلال حكمهم درجة عالية من الاستقرار بعد فترة من الاضطراب و الصراع بشأن
السلطة في مصر. و ازدهرت في أيامهم العمارة و الفنون و التجارة الدولية. و طوروا
الكثير من الصناعات العسكرية و غيرها. و يبرز النسيج بين هذه الصناعات، كما يتميّز
الخزف الهكسوسي بألوانه و زخارفه و تقنيات صناعته. و هو ما تكشفه الحفريات في تل
اليهودية و غيرها، فضلا عن أنهم جلبوا إلى مصر الحصان و مركبة القتال و القوس
المركب و صناعة الأسلحة البرونزية المتفوقة.
و على الرغم من أن الهكسوس حاولوا التقرب من سكان البلد الأصليين، و
اتخذوا أسماء مصرية، و أبدوا احتراما للعبادات المحلية و آلهتها، بينما حافظوا على
ديانتهم الخاصة، فإنهم لم يفلحوا في الحفاظ على سلطتهم. ففي منتصف القرن السادس
عشر قبل الميلاد، شن أمراء طيبة الجنوبيون ما يسمى ب «حرب التحرير»، و طردوا
الهكسوس من مصر، و طاردوهم إلى جنوب فلسطين، فقاتلوهم في شاروحين (تل الفارعة الجنوبي)،
إلّا إنهم فشلوا في القضاء الكامل عليهم. و لذا، فالفراعنة، و منذ السلالة السابعة
عشرة فما بعد، تلقنوا من عصر حكم الهكسوس درسا مفاده أن خط الدفاع الأول عن شمال
مصر هو جنوب فلسطين، فعمدوا إلى السيطرة عليه بصور متعددة.
ثالثا: الكنعانيون
قلة من الشعوب التي عمّرت فلسطين خلال تاريخها الطويل طبعت اسمها على
البلد كما فعل الكنعانيون، و مع ذلك يدور جدل حاد بين الباحثين بشأن هويتهم.
و هذا الجدل لا يخلو من نزعات مغرضة، ترمي إلى توظيف البحث في هذه
المسألة