نام کتاب : الموجز فى تاريخ فلسطين السياسى نویسنده : شوفاني، الياس جلد : 1 صفحه : 335
تشجيع صهيوني ليهود روسيا على النزوح منها،
و بالتالي إراحة حكومة القيصر من العناصر اليهودية المشتركة في الحركات اليسارية و
الثورية. و في سنة 1904 م، توجه هيرتسل إلى إيطاليا لمقابلة البابا بيوس العاشر، و
ملك إيطاليا عمانوئيل الثالث، للغرض نفسه، و كان استقباله هناك فاترا. و بينما
أخبره البابا أن الكنيسة لا تستطيع دعم عودة «اليهود الكفرة» إلى الأرض المقدسة،
أجابه الملك الإيطالي ببرودة شديدة هذا يعني «البناء في منزل شخص آخر.»[1] و في تلك السنة (1904 م) مات هيرتسل
من دون أن يحقق حلمه في الحصول على البراءة الدولية، و تاركا وراءه مؤتمرا صهيونيا
منقسما على نفسه بشأن المشاريع الاستيطانية المطروحة، و قضايا أيديولوجية متعارضة.
و هلّل الصهيونيون لانقلاب سنة 1908 م في تركيا، الذي قام به حزب
تركيا الفتاة (جمعية الاتحاد و الترقي). و سارت تظاهرات في يافا، ترفع العلم
الصهيوني الذي أقرّ في مؤتمر بازل، و هو «ترس داود» الأزرق على خلفية بيضاء. و في
الواقع، فإن حكام تركيا الجدد كانوا أكثر تعاطفا مع الأهداف الصهيونية، و قد خففوا
القيود المفروضة على الهجرة اليهودية إلى فلسطين. و حاولت القيادة الصهيونية
استغلال التناقضات التي احتدمت في إستنبول بعد الانقلاب، بين الإصلاحيين و
التقليديين، من أجل انتزاع الامتيازات. كما حاولوا استغلال التناقضات العربية-
التركية، التي تصاعدت على أرضية التصادم بين النزعات القومية العربية و التركية
الطورانية و سياسة التتريك التي انتهجها ساسة إستنبول الجدد. لكن ذلك لم يدم
طويلا، فلا القيادة الصهيونية كانت راضية عن التسهيلات التي قدمها الحكام الأتراك
الجدد، و لا هؤلاء استطاعوا تقديم المزيد لاعتبارات تركية، سواء في السياسة
الخارجية- تنافس دول أوروبا بشأن مناطق النفوذ في أراضي السلطنة- أو لاعتبارات
داخلية- تنامي المعارضة العربية للسياسة التركية، و خصوصا تساهلها مع المشروع
الصهيوني، و كذلك معارضة الأوساط التقليدية في الإمبراطورية العثمانية من منطلقات
دينية.
لقد مات هيرتسل (1904 م) من دون أن يحقق حلمه بالحصول على البراءة
الدولية، و كان على المنظمة الصهيونية أن تنتظر نتائج الحرب العالمية الأولى، و
بالتالي صدور وعد بلفور (1917 م). و كذلك، فالنجاحات التي حققها المشروع الصهيوني
الاستيطاني كانت محدودة، سواء بسبب العقبات الموضوعية في فلسطين، أو الانقسامات
الداخلية بشأن مسألة الهجرة قبل الحصول على الترخيص الدولي