نام کتاب : الموجز فى تاريخ فلسطين السياسى نویسنده : شوفاني، الياس جلد : 1 صفحه : 25
و الكفاية من مصادر المياه، و الأحوال
الطبيعية الملائمة لنمو النباتات الحبية، كالقمح و الشعير و العدس و الكرسنة و
غيرها، و كذلك الغطاء النباتي لرعي بعض أصناف الحيوانات اللبونة مثل البقر و
الماعز و الغنم و الغزلان و غيرها، و بقي عليه أن يعمل ذهنه في استغلال محيطه
بجهده و أدواته، و يبدو أنه نجح في ذلك.
و نحو 000، 10 سنة ق. م. انتشرت على الساحل الشرقي للبحر الأبيض
المتوسط، و ما يليه من مناطق في الشرق الأدنى القديم، وصولا إلى العراق، حضارة
جديدة هي الحضارة النطوفية، نسبة إلى وادي النطوف، غربي القدس، إذ اكتشف في مغارة
شقبة الموقع النموذج لهذه الحضارة. و يعتقد حتى الآن أنها انطلقت من فلسطين، و من
المنطقة الساحلية و جبال القدس بصورة خاصة، و شملت غور الأردن و شرقه، و كذلك
لبنان و سورية و العراق، حيث اكتشفت الرقائق الصوانية التي صنعت منها مناجل الحصاد
و أحجار الرحى و الجواريش و المدقات لطحن الحبوب و سحق مواد التخضيب، كما وجدت
المطامير لتخزين الحبوب.
و برع النطوفي بأساليب تكيفه وفق محيطه، إذ إنه فضلا عن المسكن و
الملبس و تنظيم حياته المجتمعية الجماعية من حيث تقسيم العمل و التخصص، طوّر
تقنيات إنتاج أدوات عمله فأصبحت ذات جدوى عالية. و تتميز أغلبية الأدوات الصوانية
النطوفية بحجمها الصغير و بأشكالها الهندسية المتعددة. و بما أنها تصنّع من
الشظايا على هيئة شفرات صغيرة، ذات حد واحد مستقيم، يقابله جانب هلالي الشكل من
الخلف، أو ذات حدّين متوازيين، و تركّب في أنصبة من الخشب أو العظم أو القرن، و
تسوّى بحيث تؤدي عملها بنجاعة كبيرة، فقد أصبحت تفي بمتطلبات الحياة المتزايدة
لهذا الإنسان في تحوّله من نمط اجتماعي- اقتصادي إلى آخر.
و تعتبر الفترة النطوفية الخطوة الأولى على طريق المجتمعات الزراعية
في بلاد الشام، كونها أنتجت حضارة محلية أصيلة، ذات طابع خاص، انتشر تأثيرها في
المنطقة، فغطى سورية و لبنان وصولا إلى وادي النيل، في موقع بالقرب من مدينة
حلوان. و مع الانتقال إلى حياة الاستقرار، انقضى عصر الثقافات ذات الانتشار
العالمي الواسع الناجم عن التنقل الدائم، و الاحتكاك المستمر و التفاعل، سلبا أو
إيجابا. و بناء على ذلك، راحت تقوم حضارات محلية في أصلها و فرعها، كانت كلما
تقدمت اتخذت طابعا أكثر استقلالية و تمحورا حول الذات، أدّى إلى تطور متواصل و
متدرج.
و قد تضافرت لإنجاز هذه النقلة الحضارية النوعية في الشرق الأدنى، و
نعني بذلك إنتاج الغذاء عبر الزراعة و تدجين الحيوانات، فضلا عن الصيد و الالتقاط،
عوامل بيئية و إنسانية معا. فالبيئة وفرت للإنسان، و بصورة طبيعية، الحبوب و
النباتات
نام کتاب : الموجز فى تاريخ فلسطين السياسى نویسنده : شوفاني، الياس جلد : 1 صفحه : 25