نام کتاب : الموجز فى تاريخ فلسطين السياسى نویسنده : شوفاني، الياس جلد : 1 صفحه : 141
لقد كانت الولايات الشرقية مهد الحضارات
القديمة، و تراثها ازداد غنى عبر العصور و كذلك كان اقتصادها أكثر ازدهارا بفروعه
جميعها- الزراعة و الصناعة و التجارة. و على الرغم من فترات الهبوط التي شهدتها،
أمنيا و إداريا، فإن المؤسسات التي نشأت فيها و تطورت، ظلت قادرة على إدارة الحياة
المدنية. و حتى روحيا، كانت هذه الولايات مجال تفاعل تيارات فكرية و دينية، و
بالتالي كانت حياة الناس فيها أوسع أفقا و أرقى مستوى. و القسطنطينية التي أصبحت
العاصمة و المركز، جسدت بين أسوارها المنيعة، التعبير الأرقى لهذه المجالات جميعا-
الإدارة المركزية المنظمة و الموقع الاستراتيجي المنيع و القوة العسكرية و
الاقتصادية و التقدم الحضاري و الثقافي. و على الصعيد الثقافي جمعت القسطنطينية
تراث أكاديمية أثينا و مدرسة حقوق بيروت و مكتبة الإسكندرية الشهيرة.
و الحضارة التي أينعت في بيزنطة كانت في الأساس شرق أوسطية. و احتلت
بلاد الشام و مصر موقعا متميزا فيها، إضافة إلى آسيا الصغرى و بلاد اليونان. و
سادت فيها اللغة اليونانية، إضافة إلى اللاتينية و الأرامية و القبطية، كما غلبت
عليها الثقافة اليونانية. و جاءت المسيحية لتستوعب هذه العناصر، و تطرح نفسها
ديانة للدولة المتعددة الشعوب و الأجناس و اللغات، متجاوزة الحدود الجغرافية، و
الفوارق القومية و الثقافية و الحضارية. و على أراضي الإمبراطورية عاش خليط من
الشعوب، لكل منها ثقافته الخاصة، لكن الجميع، و خصوصا الطبقات العليا من المجتمع،
تعلموا اليونانية- اللغة الرسمية للدولة- و ثقافتها و آدابها. و هذا الخليط من
السكان ضم اليونان و السوريين و المصريين و الفرس و الفينيقيين و العرب و الأرمن و
اليهود و السلاف و الجرمان و المغول.
و طوال تاريخ الإمبراطورية البيزنطية، قامت العاصمة- القسطنطينية-
بدور حاسم في تقرير مصيرها، كما شكّلت ركنا أساسيا في ازدهارها المادي و الروحي.
فالمدينة بموقعها الاستراتيجي، كانت تتمتع بميزات اقتصادية ضخمة،
لأنها تقع على ملتقى طرق التجارة. و نظرا إلى ضخامتها و أسواقها و موانئها و
مسافنها، فقد كانت مركزا اقتصاديا و صناعيا كبيرا جدا. و لأنها العاصمة كان من
الطبيعي أن تصبح بؤرة جذب ثقافي قوية. و كل ذلك إضافة إلى أنها مركز الإدارة
الحكومية و الدينية، أعطاها هذا الدور الحاسم. و المدينة، بتحصيناتها الطبيعية و
الاصطناعية، الفريدة في نوعها في العالم القديم، أثبتت طوال قرون كثيرة أنها عصية
على الاجتياح. و قد أعطى ذلك سكانها الطمأنينة إلى خلودها، و الاقتناع بقدرتها على
النهوض، على الرغم من كل النكسات، فقد اعتقد أهلها أنها «محروسة من لدن اللّه»، و
أنها أقيمت بناء على «إرادة
نام کتاب : الموجز فى تاريخ فلسطين السياسى نویسنده : شوفاني، الياس جلد : 1 صفحه : 141