كما اننا نود ان يكون القارئ الكريم على‌ علم باننا- ونحن نتعرض لخطب الامام عليه السلام- نعلم بأن الكثير الكثير من كلماته القيمة وتوجيهاته السديدة قد طواها عامل الزمن واخفتها يد الغير عن شعور أو لا شعور، ولعل أهم مصدر يمكن أن يعتمد عليه في هذا المجال هو الكتاب القيم الرائع «نهج البلاغة» الذي حاول فيه السيد الرضي رحمة اللَّه عليه أن يجمع ما شاء له اختياره الرفيع شذرات من كلام الامام عليه السلام- لا كل الكلام- وهذا واضح من المقاطع التي ينقلها بعبارة «ومن خطبه عليه السلام» أو «ومنها» وغير ذلك من التعبيرات التي تعبر عن الاقتطاع من الخطب المروية التي تنقص هي في أصلها حتما عن مجموع كلماته التي عبر فيها خلال حياته وخصوصاً في اواخرها عن روح الاسلام بحذافيرها.

ولكنا ندعي انه رغم ضياع الكثير من كلماته عليه السلام فإن المتبقي منها يمكنه أن يمنح الانسان الباحث المدقق صورة كاملة عن اطروحة البناء الفريدة التي خطط لها عليه السلام كي يبني الانسان المسلم الواعي الملتزم، ويبقي بالتالي على منابع الحماس الاجتماعي الثرة والتي تمكنه بالتالي من بناء الانسانية الواعية الملتزمة، كل ذلك على‌ ضوء تعاليم الرسول الأكرم صلى الله عليه و آله و سلم والقرآن العظيم ومتطلبات الواقع الانساني.

الانسان الواعي من هو؟

انه الموجود الذي امتلك قدرة فكرية ميزته عن باقي الموجودات الكونية الاخرى‌، وبهذه القدرة العجيبة- وعلى‌ ضوء هدى‌ السماء- استطاع أن يعرف حقيقة الوجود العام ومبدأه وخالقه، كما استطاع على‌ ضوء ذلك أن يحدد مركزه هو من الوجود، وبعد تحديد المركز عمل على‌ ان يعرف هدفه في حياته، وبعد تحديد المركز والهدف رجع إلى تلك القدرة الفكرية يستنطقها عن مسؤوليته في الطريق إلى الهدف لتجيبه بالرجوع مرة ثانية إلى هدى‌ السماء كي يعرف‌