" وكان أوّل صارخة صرخت في المدينة أم سلمة زوج رسول الله، كان دَفَعَ- أي رسول الله (ص)- إليها قارورة فيها تربة- وكانت حسب النّقل تربة من كربلاء- وقال لها: إنّ جبريل أعلمني أنَّ أُمّتي تقتل الحسين، وأعطاني هذه التّربة. وقال لي:

إذا صارت دماً عبيطاً فاعلمي أنَّ الحسين قد قُتِل. وكانت عندها، فلمّا حضر ذلك الوقت جعلت تنظر إلى القارورة في كلِّ ساعة، فلمّا رأتها قد صارت دماً صاحت: وا حسيناه! وابن رسول الله! وتصارخت النّساء من كل ناحية، حتَّى ارتفعت المدينة بالرَّجّة الّتي ما سُمع بمثلها قَط"[1].

فشكَّل نعي زوجة رسول الله (ص) وبرهانها القاطع حركة إعلاميّة قويّة لانتشار الخبر وتأجيجه للنّفوس ونفوذه في الذّوات الخامدة، كما استمرَّت رضي الله عنها بإقامة مجالس العزاء والمراثي بصورة دائمة على الحسين (ع)، وكانت تجمع معها نساء بني هاشم وغيرهنّ لإقامة النوائح الحزينة، وإن كانت على رواية أخرى: لم تَقُم بإشاعة الخبر منذُ أنْ تغيَّرَت عليها التّربة الكربلائية؛ خوفاً من شماتة الأعداء وانتظاراً منها لحين بلوغه النّاس.

تنويه لحقيقة:

ولكن هنالك نقطة مهمّة كانت تؤثّر على الموقف والتّحرّكات يجب الالتفات إليها ضمن الإذعان بحقيقة انتشار خبر قتل الحسين (ع) بأقل قدر من الموانع، وهي أنَّ الإعلام السّريع كما كان يؤدّي دوراً إيجابيّاً في نقل الحدث المأساوي من الطَّف ونشْرِه، كان في ذات الوقت يؤدّي دوراً عكسيّاً يتلاءم مع فعليّة القسوة والإجرام في كربلاء وخارجها، وكثرة القتل والتّهديد هنا وهناك.

[1] - المصدر السّابق من تاريخ اليعقوبي: ج 2 ص 245 و 246.