responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الفكر السياسي عند الشيعة و السنة نویسنده : مسجدجامعى، محمد؛ مترجم عباس الأسدي    جلد : 1  صفحه : 188

الحكومة والحاكم:

قبل أن نخوض في البحث لابدّ أن نشير إلى أنّ الحكومة (الإسلامية والدينية وخصائصها) عند أهل السنّة شي‌ء والحاكم (وشروطه التي يجب أن تتوفر فيه) شي‌ء آخر، فرغم الارتباط الباطني لهما إلا أنهما تبلورا تحت تأثير سلسلتين من العوامل المختلفة.

فقد خضعت نظرتهم لموضوع الحكومة لتأثير القرآن والسنّة وتراث الصحابة أحياناً، بينما خضع مفهومهم للحاكم لتأثير الأوضاع التاريخية والسياسية أيام صدر الإسلام والفترات المتأخرة عنه حتى أوائل المرحلة العباسية. وبعبارة أوضح: إنّ فهم أهل السنّة للحكومة متأثر بالاسس النظرية للإسلام وفهمهم للحاكم متأثر بالحقائق التاريخية، ولو صحّ التعبير فإنهم مثاليون في موضوع الحكومة وخصائصها وواقعيون في قضية الحاكم، إذ يعتقدون بعكس الشيعة بعدم وجود أي ارتباط بين الحكومة والحاكم‌[1].


[1] - بما أن المفاهيم السياسية والحكمية وكل ما يتعلق بالإمامة والخلافة مستلهمة عند أهل السنّة من تاريخ صدر الإسلام بالشكل الذي يمكن القول بأن هذه المفاهيم ليست إلا تنظيراً لأحداث تلك الأيام التي حظيت بأهمية موازية للدين والسنّة النبوية، فإنها مفاهيم محافظة وواقعية أكثر من اللازم، إلى الحد الذي يجعلهم يستسلمون للواقع الموجود ولا يرغبون استبداله بوضع أفضل بل لا يبيحون ذلك. فالوضع الموجود برأيهم وإن كان غير مثالي إلا أنّه أفضل من أي تغيير وتحول، ولابدّ من حمايته لأنه يصب بصلاح دين الامّة ودنياها. راجع المواقف: 397 396، فيما يتعلق بالردّ على رأي من يتمسك بقاعدة لا ضرر في إبطال ضرورة وجود السلطان ووجوب طاعته، ويعتبر رد صاحب المواقف أفضل وأقصر بيان يوضّح الفكر السياسي لأهل السنّة في هذا المجال. لاحظ أيضاً: أعلام الموقعين 3/ 37، وخاصة: السياسة الشرعية: 317. مع الالتزام الكامل بهذا المبدأ هناك من أوصى بالإصلاحات الاجتماعية الهادئة، وعلى رأسهم ابن تيمية، فقد جاء في كتابه المذكور بعد أن بيّن بأن المقصود أن يكون الدين كله لله، وأن تكون كلمة الله هي العليا، وبرهن عليه بالآيات والروايات:« ... فإذا كان هذا هو المقصود فإنه يتوسل إليه بالأقرب فالأقرب، وينظر إلى الرجلين أيهما كان أقرب إلى المقصود وُلّي». السياسة الشرعية: 24.

تستتبع مثل هذه الرؤية نتائج كثيرة، فحينما يقتصر الهدف على حفظ الوضع الموجود وإصلاحه إلى الحد الذي لا يؤدي إلى تغيير كلي أو تحول سياسي تتغير بالطبع معايير تحديد الخير والشر، وماذا ينبغي فعله؟ وماذا يجب تركه؟ ويصبح المعيار خاضعاً للواقع الموجود وليست الأفكار المأخوذة عن العقيدة الدينية أو المستلهمة منها. أمعنوا في قول ابن حنبل التالي برواية ابن تيمية:« سئل الإمام أحمد عن الرجلين يكونان أميرين في الغزو، وأحدهما قوي فاجر والآخر صالح ضعيف، مع أيهما يُغزى؟ فقال: أمّا الفاجر القوي فقوته للمسلمين وفجوره على نفسه، وأما الصالح الضعيف فصلاحه لنفسه وضعفه على المسلمين. فيغزى مع القوي الفاجر». ثم استشهد بحديث للرسول( ص) لتسويغ هذا الجواب، والحديث هو:« أن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر». نفسه: 17. ويقول ابن تيمية أيضاً:« سُئل بعض العلماء: إذا لم يوجد من يولّى القضاء إلا عالم فاسق، أو جاهل ديِّن فأيهما يقدّم؟ فقال: إن كانت الحاجة إلى الدين أكثر لغلبة الفساد قدّم الديّن. وإن كانت الحاجة إلى العلم أكثر لخفاء الحكومات قدّم العالم». ثم يضيف ابن تيمية ويقول:« ومع أنه يجوز تولية غير الأهل للضرورة إذا كان أصلح الموجود فيجب مع ذلك السعي في إصلاح الأحوال، حتى يكمل في الناس ما لابدّ لهم منه». نفسه: 2021. ويبين في مكان آخر هذه النقطة بصورة أوضح قائلًا:« التعاون نوعان: الأول: تعاون على البر والتقوى: من الجهاد وإقامة الحدود، واستيفاء الحقوق، وإعطاء المستحقين، فهذا مما أمر الله به ورسوله. ومن أمسك عنه خشية أن يكون من أعوان الظلمة فقد ترك فرضاً على الأعيان، أو على الكفاية، متوهّماً أنه متورع. وما أكثر ما يشتبه الجبن والفشل بالورع؛ إذ كل منهما كفّ وإمساك.

والثاني: تعاون على الإثم والعدوان، كالإعانة على دم معصوم، أو أخذ مال معصوم، أو ضرب من لا يستحق الضرب، ونحو ذلك، فهذا الذي حرمه الله ورسوله». نفسه: 42.

على أساس هذه النظرة يرتسم فهمه وتفسيره للاضطرابات الاجتماعية، فهو لا يعتقد بأن السلطان هو مصدر الفساد الوحيد دون الرعية، بل إنها مسؤولة عن بعض هذا الفساد أيضاً. فنظرته ليست سياسية بحتة، وإنما اجتماعية وثقافية أيضاً، إذ يحمل أحد فصول الكتاب عنوان" الظلم الواقع من الولاة والرعية" يقول في جانب منه:« وكثيراً ما يقع الظلم من الولاة والرعية، هؤلاء يأخذون ما لا يحلّ، وهؤلاء يمنعون ما يجب، كما قد يتظالم الجند والفلاحون، وكما قد يترك بعض الناس من الجهاد ما يجب، ويكنز الولاة من مال الله ما لا يحل كنزه ..». نفسه 38 و 39.

الحق أن هذا الطور من التفكير انطوى على خلفية أسبق، إذ يُروى أن جماعة من أهل الكوفة شكت واليها سعد بن أبي وقّاص إلى عمر، فسأل عمّن يكفيه أمر الكوفيين ويريحه منهم وقد احتار فيهم وفيمن يولّي عليهم، أيولّي عليهم متقياً يقودونه إلى الضعف ويشكونه، أم قوياً يسوقونه إلى الضلال والخيانة ثم يشكون فجوره إلى الخليفة؟ فطرح المغيرة بن شعبة رأيه وكان حاضراً بأن المتقي الضعيف له تقواه وللخليفة ضعفه، والقوي الفاجر عليه فجوره وللخليفة قوته، فاستحسن عمر الرأي وولّى المغيرة الكوفة. انظر: عمر بن الخطاب لعبد الكريم الخطيب: 276. وعن شخصية المغيرة وسماته راجع شرح ابن أبي الحديد: 20/ 10 8.

ويمكن مشاهدة أمثلة كثيرة من هذا القبيل لا سيما على عهد عمر، ومن أوضح الحالات إبقاء معاوية في إمارة الشام وعمرو بن العاص في مصر وعدم عزلهما رغم سخط عمر عليهما. نفسه: 272 و 277.

ويمكن ملاحظة هذا النمط من التفكير أيضاً في كلام الحجاج بن يوسف. أغراض السياسة في إعراض الرياسة لعلي بن محمد السمرقندي: 285، وطبقات الحنابلة: 2/ 36.

ويطول بنا المقام لو أردنا توضيح الملاحظة الأخيرة توضيحاً كاملًا وتبيان الجذور الفقهية والكلامية والتاريخية ونتائجها في المراحل التالية وفي الفترة المعاصرة، ودورها الأساس في بلورة التكوين الديني والنفسي لأهل السنّة. إنما كان هدفنا التنبيه على ملاحظة مهمة جداً وإحدى أدق النقاط وأكثرها حساسية التي فرّقت بين الشيعة والسنّة في التكوين الديني والنفسي الديني والتغييرات الاجتماعية والسياسية. ورغم التطورات الأساسية العظيمة خلال العقود الأخيرة إلا أنه يمكن مشاهدة هذا الفارق بوضوح، وسيبرز هذا الاختلاف بشكل أوضح في المستقبل بانخفاض جهد التحرك السياسي في نطاق أهل السنّة، وهو واقع لا محالة لأسباب كثيرة. راجع أيضاً:

Gibb, Studies on the Civili zation of Islam, pp. 141- 661.

نام کتاب : الفكر السياسي عند الشيعة و السنة نویسنده : مسجدجامعى، محمد؛ مترجم عباس الأسدي    جلد : 1  صفحه : 188
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست