الظلم للتحرّز عن مفسدة كذلك و من هذا
القبيل حكمه بحسن الصدق و أداء الأمانة، و الوفاء بالوعد، و شكر النعمة، و قبح
الكذب، و الخيانة، و نقض العهد، و كفران النعمة و نظائرها.
نجد هذا الرأي في كلمات الشيخ الرئيس
على وجه الإجمال، و في كلمات المحقّق الطوسي بوجه واضح، فالشيخ وصف قضايا الحسن و
القبح ب «الآراء المحمودة» و «التأديبات الصلاحية» يعني الآراء التي يحمدها
الجمهور و يتضمّن صلاح المجتمع البشري، قال المحقّق الطوسي-شارحا كلام الشيخ- «و
منها أي المشهورات، كونه مشتملا على مصلحة شاملة للعموم، كقولنا: العدل حسن» . 1
و ممّن وافق هذا الرأي و قام بإيضاحه هو
الشيخ محمد الحسين الغروي الأصفهاني مؤلف «نهاية الدراية» حيث قال: «إنّ اقتضاء
الفعل المحبوب و الفعل المكروه للمدح و الذم على أحد نحوين: إمّا بنحو اقتضاء
السبب لمسبّبه، و المقتضى لمقتضاه، أو بنحو اقتضاء الغاية لذي الغاية.
فالأوّل: فيما إذا أساء إنسان إلى غيره
فإنّه بمقتضى ورود ما ينافره عليه و تألّمه منه ينقدح في نفسه الداعي إلى الانتقام
منه، و التشفّي من الغيظ الحاصل بسببه بذمّه و عقوبته، فالسببية للذّم هنا واقعية
و سلسلة العلل و المعلولات مترتّبة واقعا.
و الثاني: فيما إذا كان الغرض من الحكم
بالمدح و الذم حفظ النظام و بقاء النوع بلحاظ اشتمال العدل و الإحسان على المصلحة
العامة، و الظلم و العدوان على المفسدة العامة، فتلك المصلحة العامة تدعو إلى
الحكم بمدح فاعل ما يشتمل عليها، و تلك المفسدة تدعو إلى الحكم بذمّ فاعل ما يشتمل
عليها، فيكون هذا التحسين و التقبيح من العقلاء موجبا لانحفاظ النظام و رادعا عن
الإخلال به.