الوجدانيّة الدالة على استحالة أن تكون السموات و الأرض و هذه
الموجودات الآفاقية و الأنفسية موجودةً بنفسها و حادثة من عند
نفسها بلا إله ازلي فاطر لها و على أنّها لا تملك لنفسها ضراً و لا نفعاً و لا
حياةً و لا نشوراً و لا أن تخلق شيئاً و لو ذباباً و لو اجتمعوا له. و دالّة
أيضاً على أنّه واحد أحد وحده لا شريك له و ليس كمثله شيءٌ و لا له
كفو و لا عضد و لا ظهير، و أنّه لو كان فيهما آلهة إلّااللَّه لفسدتا و ذهب
كلُّ إلهٍ بما خلق.
بل هذا الأخير يدل بالتضمُّن و الاستلزام على أنّه لو كانا اثنين مثلًا
لذهب كل واحد منهما بالاله الآخر. و لا يكفي في دفع ذلك فرض توافقهما
في الارادة و عدم فعليّة التنازع، إذ الامكان العقلي على وجه القضيّة
الشرطيّة كاف في امتناع تعدد الواجب و تعدد الآلهة. و ذلك أنّه لو فرض
أنّ هذا الواجب أو الاله أراد إزالة الآخر، فان أثّرت في إزالة ذلك لن يكن
ذاك واجباً و الهاً هو الاله الواجب. و إن لم تؤثر و عجز عن دفعه و إزالته
سقط عن الوجوب و الالوهية و التأثير و كان ذاك الأخر الهاً واجباً ...
و بالجملة فانّ القرآن صريح في آيات كثيرة في وجوب الانتهاء إلى
إله، واحد، غني، فعّال، حكيم، مريد، مدبّر، و إنّ كلما سواه لايصلح لذلك
لاشتراكهم في الفقر و الحاجة و من ذلك يعبر بالامكان و ما يساوقه كما
أنّه من خواص اللَّه تعالى وصفاته يعبر بالوجوب و القرآن لا يتبع
اصطلاحات الفلاسفة بل يأتي بالأبلغ الأتم الأقوم»[1].
[1] -/ الرسائل الأربعة عشر: ص 284- 285.