و ثانياً: بأنّ الفاعل القادر المريد لا ملازمة بين علمه بعدم صدور
فعل منه و بين خروجه عن قدرته بذلك الفعل؛ إذ لعلّه لعدم تعلّق إرادته
به و لا ينافى ذلك استحالة صدور الفعل القبيح من الحكيم، و معناه
استحالة اختياره و ارادته ذلك.
و ثالثاً: إنّ القدرة تتعلق بكل شىءٍ ممكن في ذاته و إن كان واجباً أو
ممتنعاً بالغير، و أمّا وجوب صدور ما هو معلوم التحقق و امتناع
صدور ما هو معلومٌ عدم تحققه منه (تعالى) فانّما هو بالغير، لا بالذّات. و
ذلك لأنّ ضرورة وجود الأوّل لأجل تحقق علّته التامة و ضرورة عدم
الثانى إنّما هي لأجل عدم تحقق علته.
و الحاصل: أنّ فعل القبيح- المعلوم عدم صدوره من اللَّه في علمه
(سبحانه)- لمّا كان ممكناً في حدّ ذاته، داخلٌ تحت قدرته (تعالى)، فهو
سبحانه قادر على فعله، و إن يمتنع صدوره منه؛ لعدم تعلّق مشيته
وإرادته به، نظراً إلى منافاته لمقتضى الحكمة.
و خالف الكعبى سعة قدرته (تعالى) بزعم عدم قدرته سبحانه على مثل
مقدور العبد. و استدّل عليه بأنه إمّا طاعة او معصية او عبث و كلّها
مستحيلة عليه (تعالى)؛ لأن الأوّلين يستلزمان وجود آمر عال يأمر اللَّه و
ينهاه، و هو محال، و الثالث يناقض حكمته (تعالى) و إنّه قبيح على الحكيم
و يستحيل صدوره منه.
و الجواب: أنّ فعل الطاعة و المعصية و العبث في حدّ ذاتها من الأمور