أعمق و أرسخ
ما وصل اليه من أفكار و تحقيقات، لانّ المؤلف في الحالة الاولى يضع نصب عينيه
الطالب المبتدئ الذي يسير خطوة فخطوة في طريق التعرف على كنوز هذا العلم و اسراره،
و امّا في الحالة الثانية فيضع المؤلف في تصوره شخصا نظيرا له مكتملا من الناحية
العلمية و يحاول ان يشرح له وجهة نظره و يقنعه بها بقدر ما يتاح له من وسائل
الاقناع العلمي. و من الواضح ان كتابا يوضع بهذا الاعتبار لا يصلح ان يكون كتابا
دراسيا مهما كانت قيمته العلمية و ابداعه الفكري، و من اجل ذلك كانت الكتب
الدراسية المتقدمة الذكر غير صالحة للقيام بهذا الدور على جلالة قدرها العلمي
لانّها ألفت للعلماء و الناجزين لا للمبتدئين و السائرين.
فمن
هنا لم يحرص في هذه الكتب و امثالها من الكتب العلمية المؤلفة للعلماء على ابراز
كلّ خطوات الاستدلال و حلقات التفكير في المسألة الواحدة، فقد تحذف بعض الحلقات في
الأثناء أو البداية لوضوحها لدى العالم، غير انّ الصورة حينئذ تصبح غير واضحة في
ذهن الطالب و على سبيل المثال لتوضيح الفكرة نذكر انّه بحث في التعبّدي و التوصلي
عن استحالة اخذ قصد الامتثال في متعلّق الأمر، و فرع عليه ان التعبّدي لا يتميز عن
التوصلي في مرحلة الأمر بل في مرحلة الغرض إذ لا يستوفي غرضه إلّا بقصد الامتثال،
و استنتج من ذلك عدم امكان التمسك باطلاق الأمر لاثبات كون الواجب توصليا، و هذا
لا يصلح ان يكون بيانا مدرسيا لانّ البيان المدرسي بحاجة- لتكميل الصورة في ذهن
الطالب- إلى اضافة عنصرين آخرين تركا لوضوحهما احدهما ان قصد الامتثال إذا كان
بالامكان اخذه في متعلّق الأمر فحاله حال سائر القيود يمكن نفيه باطلاق الأمر، و
الآخر ان الخطاب و الدليل مدلوله الأمر و الحكم لا الملاك و الغرض و ان استكشاف
إطلاق الغرض دائما انّما يتم عن طريق استكشاف إطلاق متعلّق الأمر مع افتراض
التطابق بين متعلّق الأمر و متعلّق الغرض فحيث لا يتبرهن هذا الافتراض لا يمكن
الاستكشاف المذكور.
و
مثال آخر من باب التزاحم فإن جل احكام هذا الباب مبنية على اخذ القدرة شرطا في
التكليف و عدم كونه دخيلا في الادانة و المنجّزية فقط، بينما هذا المطلب لم يبحث
بصورة مباشرة، و لم يوضح الربط المذكور بل بقي مستترا.