قد ذم الله الكبر في كتابه العزيز في عدة مواضع قال عز من قائل"
كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ" و
قال" سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِي الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ" و قال"
وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ" و قال" فَادْخُلُوا أَبْوَابَ
جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ" و
قال" فَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنكِرَةٌ وَهُمْ
مُسْتَكْبِرُونَ" و قال" إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ
عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ" و قال" وَلَا تَمْشِ
فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ
الْجِبَالَ طُولًا" و في الحديث الكبرياء ردائي فمن نازعني فيه القيته في
جهنم و في آخر من تعاظم في نفسه و اختال في مشيه لقى الله و هو عليه غضبان و في
ثالث لا يدخل الجنة من كان في قلبه حبة خردل من كبر و الخلاصة ان ذم الكبر في
الكتاب و السنة لا يستقصى و لنعم ما قيل:
ما
بال من أوله نطفة
يصبح
لا يملك تقديم ما
و
جيفة آخره يفخر
يرجو
و لا تاخير ما يحذر
ومن محاسن الكلم ليس لمعجب رأي و لا لمتكبر صديق و قيل من تردى برداء
الكبر تمنى الناس ذلته كيف و هو نتيجة العجب و الحسد و الحقد و يفوقها بلحاظ
الامتياز على الغير و افته عظيمة و غائلته هائلة وهو الحجاب الأعظم و به هلك الخواص
حتى قيل في حديث آفة العلم الخيلاء ان ذلك لما يتعزز حامله بعز العلم فيستشعر
جماله و كماله و يستعظم نفسه و يستحقر من سواه و ينظر إليه نظره إلى البهائم و يرى
نفسه في اخرته أنه افضل عند الله فيخاف على غيره اكثر مما يخاف على نفسه و يرجو
لنفسه اكثر مما يرجو لغيره و حتى افرط بعض فقال و ناهيك ما يراه من استحقاق بدأته
بالسلام و تقبيل يده فإذا هو بدأ احدا بالسلام رأى ان ذلك صنيعة له عنده و يدا
يلزمه شكرها إلى ان قال و السبب في ذلك اما لان العلم الذي طلبه من العلم الادنى
فليس بنافع له و إنما العلم ما عرف به العبد ربه و خطر أمره عند لقاء ربه و هو
الذي يثمر الخشية و التواضع دون الامن والكبر أو لانه خاض في العلم و هو كدر النفس
رديء الدخلة خبيث الجوهر سيء الذات قد تمكنت فيه الملكات الذميمة والاخلاق
اللئيمة فلم ينجم غرسه و لم يطلب ثمره و لا علاج له في ذلك الا بتنقية نفسه عن مثل
هذه الصفات و عن متابعة الهوى فانه من اوثق عرى الحبائل الشيطانية
الفائدة العاشرة
يستحيل ان يكون تكون العالم و قيامه من غير الفيض الإلهي و قوته
السارية في طبيعة الموجودات باسرها إذ لو توهم و لو لمحة خطور امساك هذا الفيض
لانعدم العالم بتمامه للوقت و لأنمحا بكليتة للحال و لكان الفناء الأكبر فما عليه
الطبيعيون من استناد وجود الكائنات و قيامها إلى انتخاب الطبيعة مع تسليمهم ان لا
شعور و لا اختيار للطبيعة فمن الحماقة بمكان كيف و ما لا شعور له لا ينفعك اثره عن
الصدفة و الاتفاق و ما كان عن صدفة و اتفاق مما يستحيل ان يكون كما عليه العالم من
اتقان الصنع المشحون بضروب الحكم و بدائع النظم و دقائق التدبير مماقام به ملكوت
السماوات و الأرض و ما بينهما و ما حفظ به نظام الكون باسره و صونه عن الفساد
المفضى إلى العدم و ما استقامت به مصلحة كل موجود حي مما حارت به أفهام أولي
الالباب و لن يزالوا بعد في أول البحث كما تراه في علوم النباتات و حيوة الحيوانات
و التاريخ الطبيعي فهذه الحكم التي نعرفها الآن من وضع كل شيء موضعه و ايتاء كل
محتاج ما إليه الحاجة به مما لا يعقل ان يكون صدورها عن